الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ويقابل الصحة البطلان فيأتي في تفسيره الخلاف السابق ، فمن [ ص: 25 ] قال : الصحة وقوع الفعل كافيا في إسقاط القضاء قال : البطلان هو وقوعه غير كاف لإسقاط القضاء ، ومن قال الصحة موافقة الأمر قال : البطلان مخالفته فعلى هذا لو صلى المتطهر يظن أنه محدث وجب القضاء على القولين ، لكن عند المتكلمين لكونها باطلة بالمخالفة ، وعند الفقهاء لفوات الشرط ، وهو العلم بوجود الطهارة . والفاسد والباطل عندنا مترادفان ، فكل فاسد باطل وعكسه . وعند الحنفية يفترقان فرق الأعم والأخص كالحيوان والإنسان ، إذ كل باطل فاسد وليس كل فاسد باطلا . فقالوا : الباطل ما لا ينعقد بأصله كبيع الحر ، والفاسد ما لا ينعقد دون أصله كعقد الربا فإنه مشروع من حيث إنه بيع ، وممنوع من حيث إنه عقد ربا . والبيع الفاسد عندهم يشارك الصحيح في إفادة الملك إذا اتصل بالقبض فجعلوا الفاسد رتبة متوسطة بين الصحيح والباطل ، وهو نظير مذهب الجاحظ . وعندنا لا فرق بين الباطل والفاسد بل هو سواء في المعنى والحكم ، وبه قال أحمد وأصحابه .

                                                      وما ذهب إليه الحنفية فساده ظاهر من جهة النقل ، فإن مقتضاه أن يكون الفاسد هو الموجود على نوع من الخلل ، والباطل هو الذي لا تثبت حقيقته بوجه ، وقد قال تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فسمى السماوات والأرض فاسدة عند تقدير الشريك ووجوده . ودليل التمانع يقتضي أن العالم على تقدير الشريك ، [ ص: 26 ] ووجوده ، يستحيل وجوده ، لحصول التمانع لا أنه يكون موجودا على نوع من الخلل ، فقد سمى الله تعالى الذي لا تثبت حقيقته بوجه ، فاسدا وهو خلاف ما قالوا في التفرقة ، فإن كان مأخذهم في التفريق بمجرد الاصطلاح فهم مطالبون بمستند شرعي يقتضي اختلاف الحكم المرتب عليهما .

                                                      قلت : قد تقدم أمور في تفرقتهم بين الفرض والواجب ينبغي أن يتعرض بمثلها هنا .

                                                      وأما المالكية فتوسطوا بين القولين ، ولم يفرقوا بين الباطل والفاسد في التسمية ، ولكنهم قالوا : البيع الفاسد يفيد شبهة الملك فيما يقبل الملك ، فإذا لحقه أحد أربعة أشياء يقدر الملك بالقيمة وهي حوالة الأسواق ، وتلف العين ونقصانها ، وتعلق حق الغير بها على تفصيل لهم في ذلك . وقال الإمام في التلخيص " نقل عن الشافعي أنه قال في تحديد الفاسد : هو كل فعل محرم يقصد به التوصل إلى استباحة ما جعل الشرع أصله على التحريم . ثم أورد عليه الإمام العقد في وقت تضيق الصلاة ، فإن المتلفظ بالعقد تارك لتكبيرة الإحرام ، وترك التكبيرة محرم فهذا محرم توصل به إلى استباحة الأملاك والأبضاع ; وأصولها على الحظر مع أنه ليس بفاسد .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية