صفحة جزء
[ ص: 377 ] مباحث المشترك وهذا هو الأصل ، وقد يحذفون " فيه " إما لكثرة دورانه في كلامهم ، وإما لكونه جعل لقبا . قال ابن الحاجب في " شرح المفصل " : وهو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين أو أكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة ، سواء كانت الدلالتان مستفادتين من الوضع الأول أو من كثرة الاستعمال ، أو استفيدت إحداهما من الوضع والأخرى من كثرة الاستعمال ، وهو في اللغة على الأصح .

وقد اختلف فيه هل هو واجب أم لا ؟ وبتقدير أن لا يكون واجبا ، فهل هو ممتنع أو ممكن ؟ وبتقدير إمكانه ، فهل هو واقع أو لا فهذه احتمالات أربع بحسب الانقسام العقلي ، وقد ذهب إلى كل منها فريق ، فأحاله ثعلب وأبو زيد البلخي والأبهري على ما حكاه ابن العارض المعتزلي في كتاب " النكت " وصاحب " الكبريت الأحمر " ، ومنعه قوم في القرآن خاصة ، ونسب لأبي داود الظاهري ، ومنعه آخرون في الحديث . [ ص: 378 ]

ونقل عبد الجبار عن جماعة من متأخري زمانه إنكار أن يكون اللفظ موضوعا لضدين ، فإن خصوه بهما دون غيرهما كما هو ظاهر كلامه فهو قول آخر ، وقد صار إليه الإمام فخر الدين ، فقال : يمتنع بين النقيضين فقط لخلوه عن الفائدة ، ورد عليه صاحب " التحصيل " بأنه إنما يلزم بالنسبة إلى واضع واحد ، والظاهر أنه مراد الإمام ، لأن عدم العبث بالنسبة إلى فاعلين لا يلزم من فعل أحدهما علم الآخر به .

وقيل : يمتنع في اللغة الواحدة من واضع واحد ، ويجوز في لغتين من واضعين . حكاه الصفار في " شرح سيبويه " . وقال صاحب " الكبريت الأحمر " : مذهب الأكثرين : أن المشترك أصل في الوضع والمتعين كالمتباين والمترادف .

وذهب قوم إلى أنه ليس بأصل في ذلك ، وإنما هو في المتباينة أو المترادفة في حق الوضع ، والتعين كالمجاز من الحقيقة ، فتحصلنا على تسعة مذاهب .

وقد منع بعض المتأخرين القول بالوجوب ، وقال : ليس إلا قولان الوقوع وعدمه ، لأن الوجوب هاهنا هو الوجوب بالغير ، إذ لا معنى للوجوب بالذات ، والممكن الواقع هو الوجوب بالغير . ا هـ .

ولا معنى لإنكار ذلك وهو قول ثالث منقول ، وقول الوجوب كما قاله شارح " المحصول " : إن الحاجة العامة اقتضت أن يكون في اللغات ، وقول الوقوع مع الإمكان معناه أن المصلحة لم تقتض ذلك ، ولكنه وقع اتفاقا مع إمكانه كوقوع سائر الألفاظ .

والمختار : جوازه عقلا ووقوعه سمعا . [ ص: 379 ]

قال سيبويه : " ويل له " دعاء وخبر ، والصحيح وقوعه في القرآن كما في " القرء " و " الصريم " و { والليل إذا عسعس } فلا وجه لمن أنكر ذلك .

ومنع قوم الاشتراك بين الشيء ونقيضه ، ويرده " عسعس " فإنه موضوع للإقبال والإدبار ، إلا على رأي من يزعم أنها مشتركة بين إدخال الغاية وعدمه .

واختلفوا في وقوع الأسماء المشتركة الشرعية : قال الرازي : والحق : الوقوع لأن لفظ الصلاة مستعمل في معان شرعية مختلفة بالحقيقة ليس فيها قدر مشترك بين الجميع ، وقال تلميذه الحوبي : في " الينابيع " : أما في لغتين فلا شك فيه ، فإن الشهر في العربية لزمان ما بين الاستهلالين ، وفي الفارسية للبلد ، وهو مكان ما بين حدين ، وأما في لغة واحدة فالظاهر أن أحدهما أصل والآخر فرع كالعين في العضو أصل بدليل أنه اشتق منه فعل ، تقول : عانه أصابه بعينه ، والذهب سمي به لعزته كعزة العين وسمى الفوارة عينا لخروج الماء منها كما أن العين منبع النور ، والماء عزيز كنور العين ، ومنه ما وضع لمعنى جامع لشيئين ، فاستعمل في كل منهما ، فظن أنه مشترك ، ويمكن أن يكون القرء من ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية