وقال النووي - في الجزء الأول - (باب بيان تجاوز الله تعالى : عن حديث النفس ، والخواطر بالقلب «إذا لم تستقر » ، وبيان أنه سبحانه وتعالى : لم يكلف إلا ما يطاق ، وبيان حكم الهم : بالحسنة ، وبالسيئة ) .
(حديث الباب )
وهو بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم \ النووي ، ص 145 ، 146 ج 2 ، المطبعة المصرية
قال : فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فأتوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم بركوا على الركب ، فقالوا : أي رسول الله ! كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة ، والصيام ، والجهاد ، والصدقة .
هذا الحديث ؛ أخرجه أيضا : nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في ناسخه ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ، nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم ، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي (عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، مرفوعا ) : نحوه . وزاد : «فأنزل الله : « ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . (قال : قد فعلت ) . « ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا (قال : قد فعلت ) ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به (قال : قد فعلت ) . واعف عنا واغفر لنا وارحمنا . . . الآية (قال : قد فعلت ) .
مراتب القصد خمس : هاجس ذكروا وخاطر فحديث النفس ، فاستمعا يليه هم ، فعزم ، كلها رفعت سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا
وتمام الكلام على هذا المرام ، في تفسيرنا (فتح البيان )، إن شئت فراجعه .
قال النووي : قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : يحتمل أن يكون إشفاقهم ، وقولهم : «لا نطيقها » : لكونهم اعتقدوا أنهم يؤاخذون بما لا قدرة لهم على دفعه : من الخواطر ، التي لا تكتسب . فلهذا رأوه من قبيل ما لا يطاق . وعندنا أن تكليف «ما لا يطاق » : جائز عقلا . واختلف هل وقع التعبد به في الشريعة ، أم لا ؟ والله أعلم .
قال : وفي تسمية هذا «نسخا » : نظر ، لأنه إنما يكون نسخا ، إذا تعذر البناء ، ولم يمكن رد إحدى الآيتين إلى الأخرى . وقوله تعالى : « وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه : عموم ، يصح أن يشتمل على : ما يملك من الخواطر ، دون ما لا يملك . فتكون الآية الأخرى : مخصصة . إلا أن يكون قد فهمت الصحابة - بقرينة الحال - أنه تقرر تعبدهم بما لا يملك من الخواطر ، فيكون حينئذ نسخا . لأنه رفع ثابت مستقر . انتهى .
[ ص: 649 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : لا وجه لإبعاد النسخ - في هذه القضية - ، فإن راويها ، قد روى فيها النسخ ، ونص عليه لفظا ومعنى : بأمر النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم : بالإيمان ، والسمع ، والطاعة : لما أعلمهم الله تعالى من مؤاخذته إياهم . فلما فعلوا ذلك ، وألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم ، وذلت بالاستسلام لذلك : ألسنتهم ، كما نص عليه في هذا الحديث : رفع الحرج عنهم ، ونسخ هذا التكليف . «وطريق علم النسخ » : إنما هو بالخبر عنه ، أو بالتاريخ ، وهما مجتمعان في هذه الآية .
قال : وقول nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : إنما يكون نسخا إذا تعذر البناء : كلام صحيح ، فيما لم يرد فيه النص بالنسخ . فإن ورد : وقفنا عنده . لكن اختلف أصحاب الأصول في قول الصحابي : «نسخ كذا بكذا » ؛ هل يكون حجة يثبت به النسخ ، أم لا يثبت بمجرد قوله ؟ وهو قول القاضي «أبي بكر » ، والمحققين منهم ، لأنه قد يكون قوله هذا عن اجتهاده وتأويله ، فلا يكون نسخا ، حتى ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد اختلف الناس في هذه الآية ؛
فأكثر المفسرين - من الصحابة ، ومن بعدهم - : على ما تقدم فيها من النسخ . وأنكره بعض المتأخرين . قال : لأنه خبر ولا يدخل النسخ الأخبار . وليس كما قال هذا المتأخر ، فإنه - وإن كان خبرا - فهو خبر عن تكليف ومؤاخذة : بما تكن النفوس . والتعبد بما أمرهم النبي ، صلى الله [ ص: 650 ] عليه وسلم في الحديث بذلك ، وأن يقولوا : سمعنا وأطعنا . وهذه أقوال وأعمال : اللسان ، والقلب . ثم نسخ ذلك عنهم : برفع الحرج ، والمؤاخذة .
وروي عن بعض المفسرين : أن معنى النسخ هنا : «إزالة ما وقع في قلوبهم من الشدة والفرق : من هذا الأمر » ، فأزيل عنهم : بالآية الأخرى ، واطمأنت نفوسهم . وهذا القائل يرى : أنهم لم يلزموا : ما لا يطيقون ، لكن ما يشق عليهم من «التحفظ من خواطر النفس ، وإخلاص الباطن » ، فأشفقوا أن يكلفوا من ذلك : ما لا يطيقون ، فأزيل عنهم الإشفاق ، وبين أنهم «لم يكلفوا إلا وسعهم » . وعلى هذا : لا حجة فيه لجواز تكليف ما لا يطاق ، إذ ليس فيه نص على تكليفه .
واحتج بعضهم : باستعاذتهم منه ، بقوله تعالى : «ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به » ، ولا يستعيذون إلا مما يجوز التكليف به .
وأجاب عن ذلك بعضهم : بأن معنى ذلك : «ما لا نطيقه إلا بمشقة » .
وذهب بعضهم : إلى أن الآية محكمة في إخفاء اليقين والشك - للمؤمنين والكافرين - ؛ فيغفر للمؤمنين ، ويعذب الكافرين . هذا آخر كلام nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض . وذكر الواحدي الاختلاف في نسخ الآية ، ثم قال : المحققون يختارون أن تكون الآية محكمة ، غير منسوخة . والله أعلم . انتهى .