قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه : فأولئك الذين سمى الله عز وجل ، فاحذروهم » ) .
قال النووي : اختلف المفسرون ، والأصوليون ، وغيرهم - في المحكم والمتشابه - اختلافا كثيرا ؛
قال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في (المستصفى ): إذا لم يرد توقيف في تفسيره ، فينبغي أن يفسر : بما يعرفه أهل اللغة ، ويناسب اللفظ من حيث الوضع .
ولا يناسبه قول من قال : «المتشابه » : «الحروف المقطعة ، في أوائل السور » ، «والمحكم » : ما سواه .
ولا قولهم : «المحكم » : ما يعرفه الراسخون في العلم ، «والمتشابه ): ما انفرد الله تعالى بعلمه .
قال : ويطلق على ما ورد في صفات الله تعالى ، مما يوهم ظاهره : الجهة ، والتشبيه ، ويحتاج إلى تأويل . انتهى .
قلت : وليست الصفات الثابتة ، بالكتاب والسنة : من المتشابهات في صدر ولا ورد ، لأنها مفهومة لغة ومعنى . وأما «التشبيه » فيعالج بكلمة إجمالية : «ليس كمثله شيء » . «ولم يكن له كفوا أحد » . وقد تكرر بيانها وتبليغها : على لسان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم (في مجامع من الناس كثيرة ، وعلى رؤوس الأشهاد : الذين فيهم القروي ، والبدوي ، والطفل ، والمرأة ، والجاهل ، والعالم ، وفي حجة الوداع ) : فوجب الإيمان بها على حد سواء ، بلا كيف ولا عطلة ولا مثال .
قال : وكل واحد من القولين محتمل ، واختاره طوائف . والأصح : الأول . وأن الراسخين يعلمونه ، لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده : بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته . وقد اتفق أصحابنا ، وغيرهم من المحققين : على أنه يستحيل أن يتكلم الله تعالى بما لا يفيد . والله أعلم . انتهى .
وأقول : الراجح : عدم علم الراسخين به . ولا بعد في تكلم الله تعالى بكلام مفيد في نفسه ، لا سبيل لأحد إلى معرفته . أليست فواتح السور ، من هذا القبيل ؟ وهل يجوز لأحد أن يقول : إنها كلام غير مفيد ؟ وهل لأحد سبيل إلى دركه ؟ قال في (فتح البيان ) : هل هو - أي قوله تعالى : والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) - كلام مقطوع عما قبله ؟ أو معطوف على ما قبله ، فيكون «الواو » للجمع ؟ فالذي عليه الأكثر : أنه مقطوع عما قبله ، وأن الكلام تم عند قوله : «إلا الله » . وهذا قول « nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، [ ص: 655 ] nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، وأبي الشعثاء ، وأبي نهيك ، وغيرهم » .
وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ، والفراء ، والأخفش ، nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد .
وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري : عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، واختاره .
وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب . انتهى .
ثم رد قول من قال خلاف ذلك : ردا مشبعا ، وأجاب عن كل دليل لهم على ذلك ، فراجعه .
ثم قال : قال الرازي : لو كان الراسخون في العلم عالمين بتأويله : لما كان لتخصيصهم بالإيمان به : «وجه » . إلى آخره .
قلت : ونفس «حديث الباب » : يؤيد هذا المراد ، ويرد علم الراسخين به ، تأمل .
قال النووي : وفيه التحذير من مخالطة أهل الزيغ ، وأهل البدع ، ومن يتتبع المشكلات : للفتنة . فأما من سأل عما أشكل عليه منها «للاسترشاد » ، وتلطف في ذلك : فلا بأس عليه . وجوابه : واجب .
وأما الأول : فلا يجاب ، بل يزجر ويعزر ، كما عزر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب «صبيع بن عسل » ، حين كان يتتبع المتشابه . انتهى .
[ ص: 656 ] قلت : وكان «عمر » من الراسخين في العلم ، المؤمنين به ؛ فزجر وعزر ، ولم يجوز الخوض فيه وتتبعه . وهكذا شيمة السلف .
ومن قال : إن الراسخين يعلمونه : فقد أفرط وتعدى . وقد بسطت القول في حدود المحكمات والمتشابهات ، وتفسير هذه الآية : في التفسير المذكور . ولعلك لا تجد مثله : في تفسير آخر ، فراجعه بقوة الإيمان ، وسلامة الإيقان بالإتقان : تخلص من مزالق الأقدام ، ومضائق الأفهام . إن شاء الله تعالى .