قلت: فأما
الكلام على إحاطة علم الله تعالى بالكليات والجزئيات وإرادته، فمذكور في غير هذا الموضع. وهذا الرجل قد أورد على هؤلاء هذا السؤال المعروف، وهو الذي أوقع أبا المعالي في قوله بالاسترسال، وأن العلم يحيط بأعيان الجواهر وأنواع الأعراض، ويسترسل على أعيان الأعراض. وهذا ليس هو قول من يقول بأنه يتعلق بالكليات فإن ذلك لا يفرق بين الجواهر وأنواع الأعراض وأعيانها. ومن علم أن الكليات لا تكون كلية في الذهن، وأن كل موجود فإنه معين، والأفلاك معينة، والعقول والنفوس عندهم معينة، ونفسه المقدسة معينة، تبين له أن قول من يقول: يعلم الكليات، وأنه إنما يعلم الجزئيات
[ ص: 106 ] على وجه كلي، مضمون كلامه أنه لا يعلم نفسه ولا شيئا من الموجودات.
هذا وهم يقولون: إنه مبدع لها وسبب في وجودها، وأن العلم بالسبب يقتضي العلم بالمسبب. فقولهم هذا يوجب علمه بنفسه وبكل موجود، وذلك يناقض هذا. وهذا مبسوط في موضعه.
وهذا الرجل -أعني
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد- أراد أن يجمع بين قولهم هذا وبين علمه بالجزئيات، فقال قولا فيه من الحيرة والتناقض ما هو مذكور في موضعه.
والمقصود هنا ذكر ما ناقض به قول هؤلاء المتكلمين الذين يزعمون أن عقلياتهم تعارض الكتاب والسنة، وله أيضا من عقلياته، التي يزعم أنها تناقض ذلك في الباطن، ما هو مردود عليه بالعقل الصريح أيضا.
لكن من عرف كلام بعض هؤلاء مع بعض، تبين له فساد كل ما يعارض به كل طائفة للنصوص النبوية، وأنه ما من معقول يدعى معارضته لذلك إلا وقد نقضه أهل المعقول بما يتبين فساده، فـ
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين [سورة الصافات: 180 -182].
قال ابن رشد: والأولى أن يقال لمن وصل من الجمهور إلى هذا
[ ص: 107 ] القدر من التشكك: إن العالم ليس هو موجودا واحدا، وإنما هو أفعال لله متجددة ومتعاقبة، فيمكن في العقل أن تكون هذه الأفعال أزلية، ويمكن أن تكون محدثة، إلا أن الشرائع كلها قد وردت بأنها محدثة، فيجب التصديق بأحد الجائزين الذي ورد به الشرع، وأن يقال في علمه وإرادته: إنهما غير مكيفين ولا حادثين، ولا يلزم فيهما الشك المتقدم، وإنما يلزم في العلم المكيف الحادث.