قال : "والثالثة : لا يخلو: إما
أن يكون لذاته قابلا لحلول الأعراض المتعاقبة أو لا، فإن كان الأول فيلزم أن يكون محلا للحوادث ، وهو محال كما يأتي. وإن كان الثاني فيلزم امتناع ذلك على كل الجواهر، ضرورة الاشتراك بينها في المعنى ، وهو محال خلاف المحسوس" .
ولقائل أن يقول : الجواب من وجوه :
أحدها: أنا لا نسلم امتناع حلول الأعراض المتعاقبة ، وأنت قد اعتمدت في هذا الوجه الذي ذكرته من تناقض أهل هذا القول، على نفي الجسم والجوهر، فلو جعلت هذا حجة في ذلك، لزم المصادرة على المطلوب، إذ كنت في كل من المسألتين تعتمد على الأخرى ، وإن اعتمدت على نفيه بالوجوه الأخر، فقد عرف فساد كلامك وكلام غيرك .
[ ص: 153 ]
الثاني : أن يقال : ولم قلت : إنه إذا امتنع حلول الحوادث على بعض الجواهر ؛ يمتنع على سائرها ؟ ألست تقول : إن ذلك يمتنع على بعض الذوات دون بعض ، وبعض القائمين بأنفسهم دون بعض ، وبعض الموصوفات دون بعض، فلو قال لك قائل : الاشتراك في كون كل من الشيئين ذاتا قائمة بنفسها موصوفة بالصفات، يوجب اشتراكهما في حلول الحوادث، لكان هذا القول: إما أن يلزمك ، وإما أن لا يلزمك . فإن لزمك كان هذا لازما لك ولمنازعك، فليس لك أن تنفيه. وإن لم يلزمك، فما كان جوابك عن إلزام من يلزمك به هو جواب منازعك .
فإن قلت : الاشتراك في الجوهرية اشتراك في المعنى الذي لأجله جاز قيام الحوادث به .
قال لك كل من الخصمين: والاشتراك في الذاتية، والموصوفية، والقيام بالنفس اشتراك في المعنى الذي لأجله جاز قيام الحوادث به، وأنت إذا أنصفت علمت أن البابين واحد .
الثالث : أن يقال : ما تعني بقولك: الأعراض المتعاقبة ؟ أتعني به أحواله التي دلت النصوص على قيامها به؟ أم غير ذلك؟
الأول مسلم ، لكن لا نسلم مساواة المخلوقات له في خصائصه، والثاني ممنوع" .
[ ص: 154 ]