الفتيا الأزهرية (في
مسألة كلام الله) [ ص: 124 ] [ ص: 125 ] (قال في فتيا له تسمى "بالأزهرية") :
ومن قال : إن القرآن عبارة عن كلام الله تعالى ، وقع في محذورات :
أحدها : قولهم "إن هذا ليس هو كلام الله" ، فإن نفي هذا الإطلاق خلاف ما علم بالاضطرار من دين الإسلام ، وخلاف ما دل عليه الشرع والعقل .
والثاني : قولهم "عبارة" إن أرادوا أن هذا الثاني هو الذي عبر عن كلام الله تعالى القائم بنفسه ، لزم أن يكون كل تال معبرا عما في نفس الله تعالى . والمعبر عن غيره هو المنشئ للعبارة ، فيكون كل قارئ هو المنشئ لعبارة القرآن . وهذا معلوم الفساد بالضرورة .
وإن أرادوا أن القرآن العربي عبارة عن معانيه ، فهذا حق ، إذ كل كلام فلفظه عبارة عن معناه ، لكن هذا لا يمنع أن يكون الكلام متناولا للفظ والمعنى .
الثالث : أن الكلام قد قيل : إنه حقيقة في اللفظ مجاز في المعنى ، وقيل : حقيقة في المعنى مجاز في اللفظ ، وقيل : بل حقيقة في كل منهما . والصواب الذي عليه السلف والأئمة أنه حقيقة في مجموعهما .
كما أن الإنسان قيل : هو حقيقة في البدن فقط ، وقيل : بل في الروح فقط . والصواب أنه حقيقة في المجموع . فالنزاع في الناطق كالنزاع في منطقه .
[ ص: 126 ]
وإذا كان كذلك فالمتكلم إذا تكلم بكلام له لفظ ومعنى ، وبلغ عنه بلفظه ومعناه ، فإذا قيل : ما بلغه المبلغ من اللفظ إن هذا عبارة عن القرآن ، وأراد به المعنى الذي للمبلغ عنه نفى عنه اللفظ الذي للمبلغ عنه ، والمعنى الذي قام بالمبلغ . فمن لم يثبت إلا القرآن المسموع الذي هو عبارة عن المعنى القائم بالذات ، قيل له : فهذا الكلام المنظوم الذي كان موجودا قبل قراءة القراء هو موجود قطعا وثابت ، فهل هو داخل في العبارة والمعبر عنه أو غيرهما؟
فإن جعلته غيرهما بطل اقتصارك على العبارة والمعبر عنه ، وإن جعلته أحدهما لزمك إن لم تثبت إلا هذه العبارة والمعنى القائم بالذات أن تجعله نفس ما سمع من القراء ، فتجعل عين ما بلغه المبلغون هو عين ما سمعوه ، وهذا الذي فررت منه .
وأيضا فيقال له : القارئ المبلغ إذا قرأ فلا بد له فيما يقوم به من لفظ ومعنى ، وإلا كان اللفظ الذي قام به عبارة عن القرآن ، فيجب أن يكون عبارة عن المعنى الذي قام به ، لا عن معنى قام بغيره .
فقولهم "هذا هو العبارة عن المعنى القائم بالذات" أخطأوا من وجهين :
أخطأوا في بيان مذهبهم ، فإن حقيقة قولهم : أن اللفظ المسموع من القارئ حكاية اللفظ الذي عبر به عن معنى القرآن مطلقا ، وذلك أن اللفظ عبارة عن المعنى القائم بالذات ، ولفظه ومعناه حكاية عن ذلك اللفظ والمعنى .
[ ص: 127 ]
ثم إذا عرف مذهبهم بقي خطؤهم في أصول :
منها : زعمهم أن معاني القرآن معنى واحد هو الأمر والنهي والخبر ، وأن معنى التوراة والإنجيل والقرآن معنى واحد ، ومعنى آية الكرسي معنى آية الدين . وفساد هذا معلوم بالضرورة .
ومنها :
زعمهم أن القرآن العربي لم يتكلم الله به .
(وأطال في ذلك وبرهن عليه بما يطول هنا ذكره ، وقال بعد ذلك) :
وأول من قال هذا في الإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=13464عبد الله بن سعيد بن كلاب ، وجعل القرآن المنزل حكاية عن ذلك المعنى . فلما جاء
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري واتبع
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابن كلاب في أكثر مقالته ناقشه على قوله : "إن هذا حكاية عن ذلك" ، وقال : الحكاية تماثل المحكي . فهذا اللفظ يصح من
المعتزلة ، لأن ذلك المخلوق حروف وأصوات عندهم وحكاية مثله ، وأما على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابن كلاب فلا يصح أن يكون حكاية . بل نقول : "إنه عبارة عن المعنى" .
فأول من قال بالعبارة
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12604الباقلاني -فيما ذكر عنه- إذا درس مسألة القرآن يقول : هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري ولم يتبين صحته ، أو كلاما هذا معناه .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد الإسفراييني يقول : مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وسائر الأئمة في القرآن خلاف قول
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري ، وقولهم هو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد .
[ ص: 128 ]
وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني ذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري خالف في مسألة الكلام قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره ، وأنه أخطأ في ذلك .
وكذلك سائر أئمة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما يذكرون قولهم في حد الكلام وأنواعه من الأمر والنهي والخبر العام والخاص وغير ذلك ، ويجعلون الخلاف في ذلك مع
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري ، كما هو مبين في أصول الفقه التي صنفها أئمة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهم .