الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(ثم قال بعد ذلك) : ومن قال من المعتزلة والكلابية : إن القرآن المنزل حكاية ذلك ، وظنوا أن المبلغ حاك لذلك الكلام ، ولفظ الحكاية قد يراد به محاكاة الناس فيما يقولونه ويفعلونه اقتداء بهم وموافقة لهم; فمن قال : إن القرآن حكاية كلام الله تعالى بهذا المعنى ، فقد غلط وضل ضلالا مبينا ، فإن القرآن لا يقدر الناس على أن يأتوا بمثله ، ولا يقدر أحد أن يأتي بما يحكيه .

وقد يراد بلفظ "الحكاية" النقل والتبليغ ، كما يقال : "فلان حكى عن فلان أنه قال كذا" ، كما يقال عنه : "نقل عنه" . فهذا بمعنى التبليغ للمعنى . وقد يقال : "حكي عن فلان أنه قال كذا وكذا" ، لما قاله بلفظه ومعناه ، فالحكاية هنا بمعنى التبليغ للفظ والمعنى ، لكن يفرق بين أن يقول : حكيت كلامه على وجه المماثلة له ، وبين أن يقول : حكيت عنه كلامه ، وبلغت عنه أنه قال مثل قوله من غير تبليغ عنه ، وقد يراد به المعنى الآخر ، وهو أنه بلغ عنه ما قاله .

فإن أريد المعنى الأول جاز أن يقال : هذا حكاية كلام فلان ، [ ص: 129 ] وهذا مثل كلام فلان ، وليس هو مبلغا عنه كلامه . وإن أريد به المعنى الثاني -وهو ما إذا حكى الإنسان عن غيره ما يقوله وبلغه عنه- فهنا يقال : هذا كلام فلان ، ولا يقال : هذا حكاية كلام فلان .

كما لا يقال : هذا مثل كلام فلان . بل قد يقال : هذا كلام فلان بعينه ، بمعنى أنه لم يغيره ولم يحرف ، ولم يزد ولم ينقص . [ ص: 130 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية