الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك التوسل بذوات الملائكة والأنبياء والصالحين أيضا كذلك ، فإن أعظم الوسائل للخلق إلى الله هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأعظم وسائل الخلق إلى الله التوسل بإيمان به : بتصديقه فيما أخبر ، [ ص: 121 ] وطاعته فيما أوجب وأمر ، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ، وتحليل ما حلل ، وتحريم ما حرم ، وإرضائه ومحبته ، وتقديمه في ذلك على الأهل والمال . فهذه الوسيلة التي أمرنا الله بها في قوله : اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة . فالوسيلة ما يتوسل به ، [و] هو ما يتوصل [به] ، والتوسل والتوصل إلى الله إنما هو بالإيمان بالرسول وتصديقه وطاعته ، لا وسيلة للخلق إلى الله إلا هذه الوسيلة . ثم من آمن بالرسول إذا دعا له الرسول وشفع فيه ، كان دعاء الرسول وشفاعته مما يتوسل به . فهذا هو التوسل بالرسول .

فأما إذا قدر أن الرجل لم يطعه ، وهو لم يدع للإنسان ، فنفس ذات الرسول لا ينفع الإنسان شيئا ، بل هو أعظم الخلق عند الله قدرا وجاها ، وذلك فضل الله عليه وإحسانه إليه ، وإنما ينتفع العباد من ذلك بما يقوم بهم من الإيمان به ، أو ما يقوم به من الدعاء لهم . فأما إذا قام بهم دعاؤه والإقسام به فهذا لا ينفعهم .

والدعاء من أفضل العبادات ، ولم ينقل أحد عنه أنه شرع لأمته الإقسام بأحد من الأنبياء والصالحين على الله ، فمن جعل ذلك مشروعا -واجبا أو مستحبا- فقد قفا ما لا علم له به ، وقال قولا بلا حجة ، وشرع دينا لم يأذن به الله .

وإذا لم يكن ذلك واجبا ولا مستحبا كان من فعله معتقدا أنه واجب أو مستحب مخطئا في ذلك ، وإذا كان مجتهدا [أو] مقلدا [ ص: 122 ] فله حكم أمثاله من المجتهدين والمقلدين يعفى عن خطئه . فأما إذا أنكر على غيره بلا علم ، ورد الأقوال بلا حجة ، وذم غيره ممن هو مجتهد أو مقلد ، فهو مستحق للتعزير والزجر ، وإن كان المنازع له مخطئا ، فإن المجتهد المخطئ غفر الله له خطأه ، فكيف إذا كان المنازع له المصيب وهو المخطئ؟!

ولكن شأن أهل البدع أنهم يبتدعون بدعة ، ويوالون عليها ويعادون ، ويذمون بل يفسقون بل يكفرون من خالفهم ، كما يفعل الخوارج والرافضة والجهمية وأمثالهم . وأما أهل العلم والسنة فيتبعون الحق الذي جاء به الكتاب والسنة ، ويعذرون من خالفهم إذا كان مجتهدا مخطئا أو مقلدا له ، فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان ، وقد قال في دعاء المؤمنين : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء ، وقال : قد فعلت .

والكلام على هذه المسائل قد بسط في مواضع غير هذا ، وصنفت فيه مصنفات ، وللعلماء في ذلك وما يتعلق به من الكلام ما لا يتسع له هذا الموضع . والله أعلم .

(آخره . والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما) . [ ص: 123 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية