غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ثم أخذ الناظم يذكر شيئا من مكارم الأخلاق ، وحسن العشرة بالمعروف والإنفاق ، فقال :

مطلب : حكم تصدق المرأة من بيت زوجها بغير إذنه : ولا تنكرن بذل اليسير تنكدا وسامح تنل أجرا وحسن التودد ( ولا تنكرن ) بنون التوكيد الخفيفة أنت على زوجتك ( بذل ) الشيء ( اليسير ) من بيتك من إعطاء سائل وطعمة جائع ونحو ذلك ، فلا ينبغي لك أن تنكر ذلك ( تنكدا ) أي لأجل التنكد ، يقال نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر ، والبئر قل ماؤها . ونكد زيد حاجة عمرو منعه إياها ، ونكد زيد فلانا منعه ما سأله أو لم يعطه إلا أقله . والنكد بالضم قلة العطاء ويفتح ، يعني لا تفعل ذلك منعا منك وشحا فيك ، وبخلا وحرصا فيما لديك ، فإن الشح مذموم ، والبخيل ملوم .

وقد جرت العادة ، وثبت عن معدن السعادة والسيادة ، مسامحة النساء في مثل هذا .

اللهم إلا أن تعلم شح زوجها وبخله فيمتنع عليها البذل . [ ص: 395 ] ولكن الناظم لا يرضى لك أن تتصف بالشح المنافي للفلاح ، فلذا قال ( وسامح ) أي جد وتكرم ، يقال سمح ككرم سماحا وسماحة وسموحة وسمحا جاد وكرم ، كأسمح فهو سمح ويجمع على " سمحاء " .

قال في القاموس : وسمحاء كأنه جمع سميح ومساميح كأنه جمع مسماح ونسوة سماح ليس غير انتهى .

فالسماحة تفيد صاحبها الأجر والراحة ، ولذا قال ( تنل ) فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب ( أجرا ) بالمسامحة وبذل الزوجة اليسير من مالك ، فإنما لها أجر مناول ولك الأجر كاملا ( و ) تنل مع الأجر ( حسن التودد ) أيضا ، فقد ربحت تجارتك مرتين الأجر وحسن التودد بينك وبين أهلك .

قال في القاموس : الود والوداد الحب ، ويثلثان كالودادة والمودة ، وتودده اجتلب وده ، وتودد إليه تحبب ، والتودد التحاب .

وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ; فإن لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك ، ولا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا } رواه البخاري ومسلم وغيرهما . وعند بعضهم إذا تصدقت بدل أنفقت . وفي الصحيحين أيضا عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت { قلت يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل علي الزبير أفأتصدق ؟ قال : تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك } .

وفي رواية { أنها جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي ؟ قال : أرضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك } .

وفي سنن الترمذي وحسنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها [ ص: 396 ] أجر ولزوجها مثل ذلك ، ولا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئا ، له بما كسب ولها بما أنفقت } .

وروى الترمذي أيضا وحسنه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع : لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال ذلك أفضل أموالنا }

وروى أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها } .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيتها إلا بإذنه } . وفي رواية لأبي داود أن أبا هريرة رضي الله عنه سئل عن المرأة هل تتصدق من بيت زوجها ؟ قال : لا إلا من قوتها ، والأجر بينهما ، ولا يحل لها أن تتصرف من مال زوجها إلا بإذنه زاد ابن رزين العبدري في جامعه : فإن أذن لها فالأجر بينهما ، فإن فعلت بغير إذنه فالأجر له ، والإثم عليها .

فإن قلت : ما وجه الجمع بين الأخبار ؟ فالجواب الجواز في الشيء اليسير كما في كلام الناظم وغيره من العلماء ، والمنع في الكثير ، أو الجواز فيمن تعلم الزوجة منه الكرم والسماحة ، والمنع فيمن تعلم شحه وحرصه ، وهذا صريح في كلامهم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية