قوله تعالى :
كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق قوله تعالى : كلا إذا بلغت التراقي كلا ردع وزجر ; أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة ; ثم استأنف فقال :
إذا بلغت التراقي أي بلغت النفس أو الروح التراقي ; فأخبر عما لم يجر له ذكر ، لعلم المخاطب به ; كقوله تعالى :
حتى توارت بالحجاب وقوله تعالى :
فلولا إذا بلغت الحلقوم وقد تقدم .
وقيل : كلا معناه حقا ; أي حقا أن المساق إلى
[ ص: 101 ] الله
إذا بلغت التراقي أي إذا ارتقت النفس إلى التراقي .
وكان
ابن عباس يقول : إذا بلغت نفس الكافر التراقي . والتراقي جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لنقرة النحر ، وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر ، موضع الحشرجة ; قال
دريد بن الصمة :
ورب عظيمة دافعت عنهم وقد بلغت نفوسهم التراقي
وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي ، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت .
قوله تعالى :
وقيل من راق اختلف فيه ; فقيل : هو من الرقية ; عن
ابن عباس وعكرمة وغيرهما . روى
سماك عن
عكرمة قال : من راق يرقي : أي يشفي . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران عن
ابن عباس : أي هل من طبيب يشفيه ; وقاله
أبو قلابة وقتادة ; وقال الشاعر :
هل للفتى من بنات الدهر من واق أم هل له من حمام الموت من راق
وكان هذا على وجه الاستبعاد واليأس ; أي من يقدر أن يرقي من الموت .
وعن
ابن عباس أيضا
وأبي الجوزاء أنه من رقي يرقى : إذا صعد ، والمعنى : من يرقى بروحه إلى السماء ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ وقيل : إن ملك الموت يقول من راق ؟ أي من يرقى بهذه النفس ; وذلك أن
نفس الكافر تكره الملائكة قربها ، فيقول ملك الموت : يا فلان اصعد بها .
وأظهر
عاصم وقوم النون في قوله تعالى :
من راق واللام في قوله : ( بل ران ) لئلا يشبه " مراق " وهو بائع المرقة ، و ( بران ) في تثنية البر . والصحيح ترك الإظهار ، وكسرة القاف في
من راق ، وفتحة النون في بل ران تكفي في زوال اللبس . وأمثل مما ذكر : قصد الوقف على ( من ) و ( بل ) ، فأظهرهما ; قاله
القشيري .
قوله تعالى : وظن أي أيقن الإنسان
أنه الفراق أي فراق الدنيا والأهل والمال والولد ، وذلك حين عاين الملائكة . وقال الشاعر :
فراق ليس يشبهه فراق قد انقطع الرجاء عن التلاق
والتفت الساق بالساق أي فاتصلت الشدة بالشدة ; شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة ; قاله
ابن عباس والحسن وغيرهما .
وقال
الشعبي وغيره : المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب . وقال
قتادة : أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب والحسن أيضا : هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : التفت ساق الكفن بساق الميت .
وقال
الحسن أيضا : ماتت رجلاه ويبست
[ ص: 102 ] ساقاه فلم تحملاه ، ولقد كان عليهما جوالا . قال
النحاس : القول الأول أحسنها .
وروى
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس :
والتفت الساق بالساق قال : آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من - رحمه الله - ; أي شدة كرب الموت بشدة هول المطلع ; والدليل على هذا قوله تعالى :
إلى ربك يومئذ المساق وقال
مجاهد : بلاء ببلاء . يقول : تتابعت عليه الشدائد .
وقال
الضحاك وابن زيد : اجتمع عليه أمران شديدان : الناس يجهزون جسده ، والملائكة يجهزون روحه ، والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن والشدائد العظام ; ومنه قولهم : قامت الدنيا على ساق ، وقامت الحرب على ساق . قال الشاعر :
صبرا أمام إنه شر باق وقامت الحرب بنا على ساق
وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة (
ن والقلم ) .
وقال قوم :
الكافر تعذب روحه عند خروج نفسه ، فهذه الساق الأولى ، ثم يكون بعدهما ساق البعث وشدائده
إلى ربك أي إلى خالقك يومئذ أي يوم القيامة
المساق أي المرجع . وفي بعض التفاسير قال : يسوقه ملكه الذي كان يحفظ عليه السيئات . والمساق : المصدر من ساق يسوق ، كالمقال من قال يقول .