قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى nindex.php?page=treesubj&link=29046قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فلا صدق ولا صلى أي لم يصدق
أبو جهل ولم يصل . وقيل : يرجع هذا إلى الإنسان في أول السورة ، وهو اسم جنس . والأول قول
ابن عباس . أي لم يصدق بالرسالة ولا صلى ودعا لربه ، وصلى على رسوله .
وقال
قتادة : فلا صدق بكتاب الله ، ولا صلى لله . وقيل : ولا صدق بمال له ، ذخرا له عند الله ، ولا صلى الصلوات التي أمره الله بها . وقيل : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه .
قال
الكسائي : لا بمعنى لم ولكنه يقرن بغيره ; تقول العرب : لا عبد الله خارج ولا فلان ، ولا تقول : مررت برجل لا محسن حتى يقال ولا مجمل ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فلا اقتحم العقبة ليس من هذا القبيل ; لأن معناه أفلا اقتحم ; أي فهلا اقتحم ، فحذف ألف الاستفهام . وقال
الأخفش : فلا صدق أي لم يصدق ; كقوله : فلا اقتحم أي لم يقتحم ، ولم يشترط أن يعقبه بشيء آخر ، والعرب تقول : لا ذهب ، أي لم يذهب ، فحرف النفي ينفي الماضي كما ينفي المستقبل ; ومنه قول
زهير :
[ ص: 103 ] فلا هو أبداها ولم يتقدم
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=32ولكن كذب وتولى أي كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=33ثم ذهب إلى أهله يتمطى أي يتبختر ، افتخارا بذلك ; قاله
مجاهد وغيره .
مجاهد : المراد به
أبو جهل .
وقيل : يتمطى من المطا وهو الظهر ، والمعنى يلوي مطاه . وقيل : أصله يتمطط ، وهو التمدد من التكسل والتثاقل ، فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق ; فأبدل من الطاء ياء كراهة التضعيف ، والتمطي يدل على قلة الاكتراث ، وهو التمدد ، كأنه يمد ظهره ويلويه من التبختر . والمطيطة الماء الخاثر في أسفل الحوض ; لأنه يتمطى أي يتمدد ; وفي الخبر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=866566إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم " . والمطيطاء : التبختر ومد اليدين في المشي .
nindex.php?page=treesubj&link=29046قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=34أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى تهديد بعد تهديد ، ووعيد بعد وعيد ، أي فهو وعيد أربعة لأربعة ; كما روي أنها نزلت في
أبي جهل الجاهل بربه فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى أي لا صدق رسول الله ، ولا وقف بين يدي فصلى ، ولكن كذب رسولي ، وتولى عن التصلية بين يدي . فترك التصديق خصلة ، والتكذيب خصلة ، وترك الصلاة خصلة ، والتولي عن الله تعالى خصلة ; فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربعة . والله أعلم . لا يقال : فإن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=33ثم ذهب إلى أهله يتمطى خصلة خامسة ; فإنا نقول : تلك كانت عادته قبل التكذيب والتولي ، فأخبر عنها . وذلك بين في قول
قتادة على ما نذكره . وقيل :
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المسجد ذات يوم ، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد ، مما يلي باب بني مخزوم ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، فهزه مرة أو مرتين ثم قال : " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=34أولى لك فأولى " فقال له أبو جهل : أتهددني ؟ فوالله إني لأعز أهل الوادي وأكرمه . ونزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال لأبي جهل . وهي كلمة وعيد . قال الشاعر [
امرؤ القيس ] :
فأولى ثم أولى ثم أولى وهل للدر يحلب من مرد
قال
قتادة :
أقبل أبو جهل بن هشام يتبختر ، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده فقال : " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=34أولى لك فأولى ، ثم أولى لك فأولى " . فقال : ما تستطيع أنت ولا ربك لي شيئا ، إني لأعز من بين جبليها . فلما كان يوم بدر أشرف على المسلمين فقال : لا يعبد الله بعد هذا اليوم أبدا . فضرب الله عنقه ، وقتله شر قتلة . وقيل : معناه : الويل لك ; ومنه قول
الخنساء :
هممت بنفسي كل الهموم فأولى لنفسي أولى لها
سأحمل نفسي على آلة فإما عليها وإما لها
[ ص: 104 ] الآلة : الحالة ، والآلة : السرير أيضا الذي يحمل عليه الميت ; وعلى هذا التأويل قيل : هو من المقلوب ; كأنه قيل : أويل ، ثم أخر الحرف المعتل ، والمعنى : الويل لك حيا ، والويل لك ميتا ، والويل لك يوم البعث ، والويل لك يوم تدخل النار ; وهذا التكرير كما قال :
لك الويلات إنك مرجلي
أي لك الويل ، ثم الويل ، ثم الويل ، وضعف هذا القول . وقيل : معناه الذم لك ، أولى ، من تركه ، إلا أنه كثير في الكلام فحذف . وقيل : المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب .
وقال
أبو العباس أحمد بن يحيى : قال
الأصمعي أولى في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك ، كأنه يقول : قد وليت الهلاك ، قد دانيت الهلاك ; وأصله من الولي ، وهو القرب ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار أي يقربون منكم ; وأنشد
الأصمعي :
وأولى أن يكون له الولاء
أي قارب أن يكون له ; وأنشد أيضا :
أولى لمن هاجت له أن يكمدا
أي قد دنا صاحبها من الكمد . وكان
أبو العباس ثعلب يستحسن قول
الأصمعي ويقول : ليس أحد يفسر كتفسير
الأصمعي .
النحاس : العرب تقول أولى لك كدت تهلك ثم أفلت ، وكأن تقديره : أولى لك وأولى بك الهلكة .
المهدوي قال : ولا تكون أولى ( أفعل منك ) ، وتكون خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قال : الوعيد أولى له من غيره ; لأن
أبا زيد قد حكى : أولاة الآن : إذا أوعدوا . فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك .
و ( لك ) خبر عن أولى . ولم ينصرف أولى لأنه صار علما للوعيد ، فصار كرجل اسمه أحمد . وقيل : التكرير فيه على معنى ألزم لك على عملك السيئ الأول ، ثم على الثاني ، والثالث ، والرابع ، كما تقدم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى nindex.php?page=treesubj&link=29046قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ
أَبُو جَهْلٍ وَلَمْ يُصَلِّ . وَقِيلَ : يَرْجِعُ هَذَا إِلَى الْإِنْسَانِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ . وَالْأَوَّلُ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ . أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ بِالرِّسَالَةِ وَلَا صَلَّى وَدَعَا لِرَبِّهِ ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ .
وَقَالَ
قَتَادَةُ : فَلَا صَدَّقَ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَلَا صَلَّى لِلَّهِ . وَقِيلَ : وَلَا صَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ ، ذُخْرًا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَا صَلَّى الصَّلَوَاتِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَا . وَقِيلَ : فَلَا آمَنَ بِقَلْبِهِ وَلَا عَمِلَ بِبَدَنِهِ .
قَالَ
الْكِسَائِيُّ : لَا بِمَعْنَى لَمْ وَلَكِنَّهُ يُقْرَنُ بِغَيْرِهِ ; تَقُولُ الْعَرَبُ : لَا عَبْدُ اللَّهِ خَارِجٌ وَلَا فُلَانٌ ، وَلَا تَقُولُ : مَرَرْتُ بِرَجُلٍ لَا مُحْسِنٌ حَتَّى يُقَالَ وَلَا مُجْمِلٌ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَفَلَا اقْتَحَمَ ; أَيْ فَهَلَّا اقْتَحَمَ ، فَحَذَفَ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ . وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : فَلَا صَدَّقَ أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ ; كَقَوْلِهِ : فَلَا اقْتَحَمَ أَيْ لَمْ يَقْتَحِمْ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعْقِبَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ : لَا ذَهَبَ ، أَيْ لَمْ يَذْهَبْ ، فَحَرْفُ النَّفْيِ يَنْفِي الْمَاضِي كَمَا يَنْفِي الْمُسْتَقْبَلَ ; وَمِنْهُ قَوْلُ
زُهَيْرٍ :
[ ص: 103 ] فَلَا هُوَ أَبْدَاهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=32وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَيْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَتَوَلَّى عَنِ الْإِيمَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=33ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَيْ يَتَبَخْتَرُ ، افْتِخَارًا بِذَلِكَ ; قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ .
مُجَاهِدٌ : الْمُرَادُ بِهِ
أَبُو جَهْلٍ .
وَقِيلَ : يَتَمَطَّى مِنَ الْمَطَا وَهُوَ الظَّهْرُ ، وَالْمَعْنَى يَلْوِي مَطَاهُ . وَقِيلَ : أَصْلُهُ يَتَمَطَّطُ ، وَهُوَ التَّمَدُّدُ مِنَ التَّكَسُّلِ وَالتَّثَاقُلِ ، فَهُوَ يَتَثَاقَلُ عَنِ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ ; فَأُبْدِلَ مِنَ الطَّاءِ يَاءً كَرَاهَةَ التَّضْعِيفِ ، وَالتَّمَطِّي يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ ، وَهُوَ التَّمَدُّدُ ، كَأَنَّهُ يَمُدُّ ظَهْرَهُ وَيَلْوِيهِ مِنَ التَّبَخْتُرِ . وَالْمَطِيطَةُ الْمَاءُ الْخَاثِرُ فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ ; لِأَنَّهُ يَتَمَطَّى أَيْ يَتَمَدَّدُ ; وَفِي الْخَبَرِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=866566إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ كَانَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ " . وَالْمُطَيْطَاءُ : التَّبَخْتُرُ وَمَدُّ الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْيِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29046قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=34أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى تَهْدِيدٌ بَعْدَ تَهْدِيدٍ ، وَوَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ ، أَيْ فَهُوَ وَعِيدُ أَرْبَعَةٍ لِأَرْبَعَةٍ ; كَمَا رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
أَبِي جَهْلٍ الْجَاهِلِ بِرَبِّهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَيْ لَا صَدَّقَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيَّ فَصَلَّى ، وَلَكِنْ كَذَّبَ رَسُولِي ، وَتَوَلَّى عَنِ التَّصْلِيَةِ بَيْنَ يَدَيَّ . فَتَرْكُ التَّصْدِيقَ خَصْلَةٌ ، وَالتَّكْذِيبُ خَصْلَةٌ ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ خَصْلَةٌ ، وَالتَّوَلِّي عَنِ اللَّهِ تَعَالَى خَصْلَةٌ ; فَجَاءَ الْوَعِيدُ أَرْبَعَةً مُقَابِلَةً لِتَرْكِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . لَا يُقَالُ : فَإِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=33ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى خَصْلَةٌ خَامِسَةٌ ; فَإِنَّا نَقُولُ : تِلْكَ كَانَتْ عَادَتَهُ قَبْلَ التَّكْذِيبِ وَالتَّوَلِّي ، فَأَخْبَرَ عَنْهَا . وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِ
قَتَادَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ . وَقِيلَ :
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو جَهْلٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي مَخْزُومٍ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ ، فَهَزَّهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=34أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى " فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ : أَتُهَدِّدُنِي ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعَزُّ أَهْلِ الْوَادِي وَأَكْرَمُهُ . وَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ لِأَبِي جَهْلٍ . وَهِيَ كَلِمَةُ وَعِيدٍ . قَالَ الشَّاعِرُ [
امْرُؤُ الْقَيْسِ ] :
فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى وَهَلْ لِلدَّرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ
قَالَ
قَتَادَةُ :
أَقْبَلَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ يَتَبَخْتَرُ ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ فَقَالَ : " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=34أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى " . فَقَالَ : مَا تَسْتَطِيعُ أَنْتَ وَلَا رَبُّكَ لِي شَيْئًا ، إِنِّي لَأَعَزُّ مَنْ بَيْنَ جَبَلَيْهَا . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَشْرَفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : لَا يُعْبَدُ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا . فَضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ ، وَقَتَلَهُ شَرَّ قِتْلَةٍ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : الْوَيْلُ لَكَ ; وَمِنْهُ قَوْلُ
الْخَنْسَاءِ :
هَمَمْتُ بِنَفْسِي كُلَّ الْهُمُومِ فَأَوْلَى لِنَفْسِي أَوْلَى لَهَا
سَأَحْمِلُ نَفْسِي عَلَى آلَةٍ فَإِمَّا عَلَيْهَا وَإِمَّا لَهَا
[ ص: 104 ] الْآلَةُ : الْحَالَةُ ، وَالْآلَةُ : السَّرِيرُ أَيْضًا الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ ; وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قِيلَ : هُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ ; كَأَنَّهُ قِيلَ : أَوْيَلُ ، ثُمَّ أُخِّرَ الْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ ، وَالْمَعْنَى : الْوَيْلُ لَكَ حَيًّا ، وَالْوَيْلُ لَكَ مَيِّتًا ، وَالْوَيْلُ لَكَ يَوْمَ الْبَعْثِ ، وَالْوَيْلُ لَكَ يَوْمَ تَدْخُلُ النَّارَ ; وَهَذَا التَّكْرِيرُ كَمَا قَالَ :
لَكَ الْوَيْلَاتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي
أَيْ لَكَ الْوَيْلُ ، ثُمَّ الْوَيْلُ ، ثُمَّ الْوَيْلُ ، وَضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الذَّمُّ لَكَ ، أَوْلَى ، مِنْ تَرْكِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ فَحُذِفَ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنْتَ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِهَذَا الْعَذَابِ .
وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : قَالَ
الْأَصْمَعِيُّ أَوْلَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ مُقَارَبَةُ الْهَلَاكِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : قَدْ وَلَيِتَ الْهَلَاكَ ، قَدْ دَانَيْتَ الْهَلَاكَ ; وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَلْيِ ، وَهُوَ الْقُرْبُ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أَيْ يَقْرُبُونَ مِنْكُمْ ; وَأَنْشَدَ
الْأَصْمَعِيُّ :
وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوَلَاءُ
أَيْ قَارَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ; وَأَنْشَدَ أَيْضًا :
أَوْلَى لِمَنْ هَاجَتْ لَهُ أَنْ يَكْمَدَا
أَيْ قَدْ دَنَا صَاحِبُهَا مِنَ الْكَمَدِ . وَكَانَ
أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ يَسْتَحْسِنُ قَوْلَ
الْأَصْمَعِيِّ وَيَقُولُ : لَيْسَ أَحَدٌ يُفَسِّرُ كَتَفْسِيرِ
الْأَصْمَعِيِّ .
النَّحَّاسُ : الْعَرَبُ تَقُولُ أَوْلَى لَكَ كِدْتَ تَهْلِكُ ثُمَّ أَفْلَتَّ ، وَكَأَنَّ تَقْدِيرَهُ : أَوْلَى لَكَ وَأَوْلَى بِكَ الْهَلَكَةُ .
الْمَهْدَوِيُّ قَالَ : وَلَا تَكُونُ أَوْلَى ( أَفْعَلَ مِنْكَ ) ، وَتَكُونُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، كَأَنَّهُ قَالَ : الْوَعِيدُ أَوْلَى لَهُ مِنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ
أَبَا زَيْدٍ قَدْ حَكَى : أَوْلَاةُ الْآنَ : إِذَا أَوْعَدُوا . فَدُخُولُ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ .
وَ ( لَكَ ) خَبَرٌ عَنْ أَوْلَى . وَلَمْ يَنْصَرِفْ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا لِلْوَعِيدِ ، فَصَارَ كَرَجُلٍ اسْمُهُ أَحْمَدُ . وَقِيلَ : التَّكْرِيرُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى أَلْزَمُ لَكَ عَلَى عَمَلِكَ السَّيِّئِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ عَلَى الثَّانِي ، وَالثَّالِثِ ، وَالرَّابِعِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .