قوله تعالى : إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا
قوله تعالى : إن هؤلاء يحبون العاجلة توبيخ وتقريع ; والمراد
أهل مكة . والعجلة الدنيا ويذرون أي ويدعون وراءهم أي بين أيديهم يوما ثقيلا أي عسيرا شديدا كما قال : ثقلت في السماوات والأرض . أي يتركون الإيمان بيوم القيامة . وقيل : وراءهم أي خلفهم ، أي ويذرون الآخرة خلف ظهورهم ، فلا يعملون لها . وقيل : نزلت في
اليهود فيما كتموه من صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحة نبوته . وحبهم العاجلة : أخذهم الرشا على
[ ص: 132 ] ما كتموه . وقيل : أراد المنافقين ; لاستبطانهم الكفر وطلب الدنيا . والآية تعم . واليوم الثقيل : يوم القيامة . وإنما سمي ثقيلا لشدائده وأهواله . وقيل : للقضاء فيه بين عباده .
قوله تعالى :
نحن خلقناهم أي من طين . وشددنا أسرهم أي خلقهم ; قاله
ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم . والأسر الخلق ; قال
أبو عبيد : يقال فرس شديد الأسر أي الخلق . ويقال أسره الله - جل ثناؤه - إذا شدد خلقه ; قال
لبيد :
ساهم الوجه شديد أسره مشرف الحارك محبوك الكتد
وقال
الأخطل :
من كل مجتنب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة والحسن والربيع : شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب . وقال
مجاهد في تفسير الأسر : هو الشرج ، أي إذا خرج الغائط والبول تقبض الموضع . وقال
ابن زيد القوة . وقال
ابن أحمر يصف فرسا :
يمشي بأوظفة شداد أسرها صم السنابك لا تقي بالجدجد
واشتقاقه من الإسار وهو القد الذي يشد به الأقتاب ; يقال : أسرت القتب أسرا أي شددته وربطته ; ويقال : ما أحسن أسر قتبه أي شده وربطه ; ومنه قولهم : خذه بأسره إذا أرادوا أن يقولوا هو لك كله ; كأنهم أرادوا تعكيمه وشده لم يفتح ولم ينقص منه شيء . ومنه الأسير ، لأنه كان يكتف بالإسار . والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية . أي سويت خلقك وأحكمته بالقوى ثم أنت تكفر بي .
وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا قال
ابن عباس : يقول لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم . وعنه أيضا : لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها . كذلك روى
الضحاك عنه . والأول رواه عنه
أبو صالح .