قوله تعالى :
قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها
قوله تعالى :
قد أفلح من زكاها هذا جواب القسم ، بمعنى : لقد أفلح . قال
الزجاج : اللام حذفت ; لأن الكلام طال ، فصار طوله عوضا منها . وقيل : الجواب محذوف أي والشمس وكذا وكذا لتبعثن .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : تقديره ليدمدمن الله عليهم أي على
أهل مكة ، لتكذيبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما دمدم على
ثمود ; لأنهم كذبوا
صالحا . وأما قد أفلح من زكاها فكلام تابع لأوله لقوله : فألهمها فجورها وتقواها على سبيل الاستطراد ، وليس من
[ ص: 69 ] جواب القسم في شيء . وقيل : هو على التقديم والتأخير بغير حذف والمعنى :
قد أفلح من زكاها ،
وقد خاب من دساها ،
والشمس وضحاها . أفلح فاز .
من زكاها أي من زكى الله نفسه بالطاعة .
وقد خاب من دساها أي خسرت نفس دسها الله - عز وجل - بالمعصية . وقال
ابن عباس : خابت نفس أضلها وأغواها . وقيل : أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ، وصالح الأعمال ، وخاب من دس نفسه في المعاصي قاله
قتادة وغيره . وأصل الزكاة : النمو والزيادة ، ومنه زكا الزرع : إذا كثر ريعه ، ومنه تزكية القاضي للشاهد ; لأنه يرفعه بالتعديل ، وذكر الجميل . وقد تقدم هذا المعنى في أول سورة ( البقرة ) مستوفى . فمصطنع المعروف والمبادر إلى أعمال البر ، شهر نفسه ورفعها . وكانت أجواد العرب تنزل الربا وارتفاع الأرض ، ليشتهر مكانها للمعتفين ، وتوقد النار في الليل للطارقين . وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام ، ليخفى مكانها عن الطالبين . فأولئك علوا أنفسهم وزكوها ، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها . وكذا الفاجر أبدا خفي المكان ، زمر المروءة غامض الشخص ، ناكس الرأس بركوب المعاصي . وقيل : دساها : أغواها . قال :
وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت حلائله منه أرامل ضيعا
قال أهل اللغة : والأصل : دسسها ، من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت سينه ياء كما يقال : قصيت أظفاري وأصله قصصت أظفاري . ومثله قولهم في تقضض : تقضى . وقال
ابن الأعرابي : وقد خاب من دساها أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم .