القول في تأويل قوله (
الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ( 87 ) )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : "
الله لا إله إلا هو ليجمعنكم " المعبود الذي لا تنبغي العبودة إلا له ، هو الذي له عبادة كل شيء وطاعة كل طائع .
وقوله : "
ليجمعنكم إلى يوم القيامة " يقول : ليبعثنكم من بعد مماتكم وليحشرنكم جميعا إلى موقف الحساب الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم ، ويقضي فيه بين أهل طاعته ومعصيته ، وأهل الإيمان به والكفر . " لا ريب فيه " يقول : لا شك في حقيقة ما أقول لكم من ذلك وأخبركم من خبري : أني جامعكم إلى يوم القيامة بعد مماتكم " ومن أصدق من الله حديثا " يعني بذلك : فاعلموا حقيقة ما أخبركم من الخبر فإني جامعكم إلى يوم القيامة للجزاء والعرض والحساب والثواب والعقاب يقينا ، فلا تشكوا في صحته ولا تمتروا في حقيقته
[ ص: 593 ] فإن قولي الصدق الذي لا كذب فيه ، ووعدي الصدق الذي لا خلف له .
ومن أصدق من الله حديثا يقول : وأي ناطق أصدق من الله حديثا ؟ وذلك أن الكاذب إنما يكذب ليجتلب بكذبه إلى نفسه نفعا ، أو يدفع به عنها ضرا . والله - تعالى ذكره - خالق الضر والنفع فغير جائز أن يكون منه كذب ؛ لأنه لا يدعوه إلى اجتلاب نفع إلى نفسه أو دفع ضر عنها داع . وما من أحد لا يدعوه داع إلى اجتلاب نفع إلى نفسه ، أو دفع ضر عنها سواه - تعالى ذكره - فيجوز أن يكون له في استحالة الكذب منه نظيرا [ فقال ] :
ومن أصدق من الله حديثا وخبرا .