[ ص: 447 ] [ ص: 448 ] [ ص: 449 ] بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
القول في تأويل قوله عز ذكره (
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "
يا أيها الذين آمنوا أوفوا " ، يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله ، وأذعنوا له بالعبودية ، وسلموا له الألوهة وصدقوا رسوله
محمدا صلى الله عليه وسلم في نبوته وفيما جاءهم به من عند ربهم من شرائع دينه "
أوفوا بالعقود " ، يعني : أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربكم ، والعقود التي عاقدتموها إياه ، وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقا ، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضا ، فأتموها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها ، ولمن عاقدتموه منكم ، بما أوجبتموه له بها على أنفسكم ، ولا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها .
واختلف أهل التأويل في "العقود" التي أمر الله جل ثناؤه بالوفاء بها بهذه الآية ، بعد إجماع جميعهم على أن معنى"العقود " ، العهود .
فقال بعضهم : هي العقود التي كان أهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمه أو بغاه سوءا ، وذلك هو معنى"الحلف" الذي كانوا يتعاقدونه بينهم .
ذكر من قال : معنى"العقود" ، العهود .
10893 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
[ ص: 450 ] معاوية بن صالح ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : "
أوفوا بالعقود " ، يعني : بالعهود .
10894 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله جل وعز : "
أوفوا بالعقود " ، قال : العهود .
10895 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
10896 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن رجل ، عن
مجاهد ، مثله .
10897 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
عبيد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11960أبي جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس قال : جلسنا إلى
مطرف بن الشخير وعنده رجل يحدثهم ، فقال : "
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : هي العهود .
10898 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : "
أوفوا بالعقود " ، قال : العهود .
10899 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو خالد الأحمر ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : "
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : هي العهود .
10900 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ يقول ، أخبرنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول : "
أوفوا بالعقود " ، بالعهود .
[ ص: 451 ]
10901 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
أوفوا بالعقود " ، قال : بالعهود .
10902 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
أوفوا بالعقود " ، قال : هي العهود .
10903 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : سمعت
الثوري يقول : "
أوفوا بالعقود " ، قال : بالعهود .
10904 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
قال
أبو جعفر : و"العقود " جمع "عقد" ، وأصل "العقد" ، عقد الشيء بغيره ، وهو وصله به ، كما يعقد الحبل بالحبل ، إذا وصل به شدا . يقال منه : "عقد فلان بينه وبين فلان عقدا ، فهو يعقده" ، ومنه قول
الحطيئة :
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
[ ص: 452 ]
وذلك إذا واثقه على أمر وعاهده عليه عهدا بالوفاء له بما عاقده عليه ، من أمان وذمة ، أو نصرة ، أو نكاح ، أو بيع ، أو شركة ، أو غير ذلك من العقود .
ذكر من قال المعنى الذي ذكرنا عمن قاله في المراد من قوله : "
أوفوا بالعقود " .
10905 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : "
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، أي : بعقد الجاهلية . ذكر لنا
nindex.php?page=hadith&LINKID=811431أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : أوفوا بعقد الجاهلية ، ولا تحدثوا عقدا في الإسلام . وذكر لنا
nindex.php?page=hadith&LINKID=812110أن فرات بن حيان العجلي ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الجاهلية ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : لعلك تسأل عن حلف لخم وتيم الله ؟ فقال : نعم ، يا نبي الله! قال : لا يزيده الإسلام إلا شدة .
10906 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : حدثنا
معمر ، عن
قتادة : "
أوفوا بالعقود " ، قال : عقود الجاهلية : الحلف .
وقال آخرون : بل هي الحلف التي أخذ الله على عباده بالإيمان به وطاعته ، فيما أحل لهم وحرم عليهم .
ذكر من قال ذلك :
10907 - حدثني
المثنى قال : أخبرنا
عبد الله قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
أوفوا بالعقود " ، يعني : ما أحل وما حرم ، وما فرض ، وما حد في القرآن كله ، فلا تغدروا ولا تنكثوا . ثم شدد ذلك فقال : (
والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) إلى قوله : (
سوء الدار ) [ سورة الرعد : 35 ] .
10908 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
[ ص: 453 ] ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
أوفوا بالعقود " ، ما عقد الله على العباد مما أحل لهم وحرم عليهم .
وقال آخرون : بل هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم ، ويعقدها المرء على نفسه .
ذكر من قال ذلك :
10909 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن
موسى بن عبيدة ، عن أخيه
عبد الله بن عبيدة قال : العقود خمس : عقدة الأيمان ، وعقدة النكاح ، وعقدة العهد ، وعقدة البيع ، وعقدة الحلف .
10910 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
موسى بن عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي أو عن أخيه
عبد الله بن عبيدة ، نحوه .
10911 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : عقد العهد ، وعقد اليمين وعقد الحلف ، وعقد الشركة ، وعقد النكاح . قال : هذه العقود ، خمس .
10912 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عتبة بن سعيد الحمصي قال : حدثنا
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : حدثنا أبي في قول الله جل وعز : "
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : العقود خمس : عقدة النكاح ، وعقدة الشركة ، وعقد اليمين ، وعقدة العهد ، وعقدة الحلف .
وقال آخرون : بل هذه الآية أمر من الله تعالى لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم ، من العمل بما في التوراة والإنجيل في تصديق
محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله .
[ ص: 454 ]
ذكر من قال ذلك :
10913 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : "
أوفوا بالعقود " ، قال : العهود التي أخذها الله على أهل الكتاب : أن يعملوا بما جاءهم .
10914 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
الليث قال : حدثني
يونس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810406قال محمد بن مسلم : قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه على نجران فكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم ، فيه : "هذا بيان من الله ورسوله : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، فكتب الآيات منها حتى بلغ" إن الله سريع الحساب " .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، ما قاله
ابن عباس ، وأن معناه : أوفوا ، يا أيها الذين آمنوا ، بعقود الله التي أوجبها عليكم ، وعقدها فيما أحل لكم وحرم عليكم ، وألزمكم فرضه ، وبين لكم حدوده .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال ، لأن الله جل وعز أتبع ذلك البيان عما أحل لعباده وحرم عليهم ، وما أوجب عليهم من فرائضه . فكان معلوما بذلك أن قوله : "
أوفوا بالعقود " ، أمر منه عباده بالعمل بما ألزمهم من فرائضه وعقوده عقيب ذلك ، ونهي منه لهم عن نقض ما عقده عليهم منه ، مع أن قوله : "
أوفوا بالعقود " ، أمر منه بالوفاء بكل عقد أذن فيه ، فغير جائز أن يخص منه شيء حتى تقوم حجة بخصوص شيء منه يجب التسليم لها . فإذ كان الأمر في ذلك كما وصفنا ، فلا معنى لقول من وجه ذلك إلى معنى الأمر بالوفاء ببعض العقود التي أمر الله بالوفاء بها دون بعض .
[ ص: 455 ]
وأما قوله : "أوفوا" فإن للعرب فيه لغتين :
إحداهما : "أوفوا" ، من قول القائل : "أوفيت لفلان بعهده ، أوفي له به" .
والأخرى من قولهم : "وفيت له بعهده أفي" .
و"الإيفاء بالعهد" ، إتمامه على ما عقد عليه من شروطه الجائزة .