القول في تأويل قوله (
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به : "
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " يقول : ليشهد بينكم "
إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية " يقول : وقت الوصية "
اثنان ذوا عدل منكم " يقول : ذوا رشد وعقل وحجى من المسلمين ، كما : -
12882 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار وعبيد الله بن يوسف الجبيري قالا حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16862مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا
شعبة ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في قوله : "
وأشهدوا ذوي عدل منكم " [ سورة الطلاق : 2 ] ، قال : ذوي عقل .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "
ذوا عدل منكم " .
فقال بعضهم : عنى به : من أهل ملتكم .
[ ص: 155 ]
ذكر من قال ذلك :
12883 - حدثنا
حميد بن مسعدة قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال : شاهدان "
ذوا عدل منكم " من المسلمين .
12884 - حدثنا
عمران بن موسى القزاز قال : حدثنا
عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا
إسحاق بن سويد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر في قوله : "
اثنان ذوا عدل منكم " من المسلمين .
12885 - حدثنا
ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا
ابن أبي عدي ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في قوله : "
اثنان ذوا عدل منكم " قال : اثنان من أهل دينكم .
12886 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس ، عن
أشعث ، عن
ابن سيرين ، عن
عبيدة قال : سألته ، عن قول الله - تعالى ذكره - : "
اثنان ذوا عدل منكم " قال : من الملة .
12887 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس ، عن
هشام ، عن
ابن سيرين ، عن
عبيدة ، بمثله إلا أنه قال فيه : من أهل الملة .
12888 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
هشام ، عن
ابن سيرين قال : سألت
عبيدة عن هذه الآية : "
اثنان ذوا عدل منكم " قال : من أهل الملة .
12889 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
ابن عون ، عن
ابن سيرين ، عن
عبيدة مثله .
[ ص: 156 ]
12890 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
حسين ، عن
زائدة ، عن
هشام ، عن
ابن سيرين قال : سألت
عبيدة ، فذكر مثله .
12891 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
ابن مهدي ، عن
حماد ، عن
ابن أبي نجيح وقال : حدثنا
مالك بن إسماعيل ، عن
حماد بن زيد ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد مثله .
12892 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
ذوا عدل منكم " قال : ذوا عدل من أهل الإسلام .
12893 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ذوا عدل منكم " قال : من المسلمين .
12894 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يقول : "
اثنان ذوا عدل منكم " أي : من أهل الإسلام .
وقال آخرون : عنى بذلك : ذوا عدل من حي الموصي . وذلك قول روي عن
عكرمة وعبيدة وعدة غيرهما .
واختلفوا في صفة " الاثنين " اللذين ذكرهما الله في هذه الآية ، ما هي ، وما هما؟
فقال بعضهم : هما شاهدان يشهدان على وصية الموصي .
وقال آخرون : هما وصيان .
وتأويل الذين زعموا أنهما شاهدان . قوله : " شهادة بينكم " ليشهد شاهدان
[ ص: 157 ] ذوا عدل منكم على وصيتكم .
وتأويل الذين قالوا : " هما وصيان لا شاهدان " قوله : " شهادة بينكم " بمعنى الحضور والشهود لما يوصيهما به المريض ، من قولك : " شهدت وصية فلان " بمعنى حضرته .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين بقوله : "
اثنان ذوا عدل منكم " تأويل من تأوله بمعنى أنهما من أهل الملة ، دون من تأوله أنهما من حي الموصي .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله - تعالى ذكره - ، عم المؤمنين بخطابهم بذلك في قوله : "
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " فغير جائز أن يصرف ما عمه الله - تعالى ذكره - إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها . وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون العائد من ذكره على العموم ، كما كان ذكرهم ابتداء على العموم .
وأولى المعنيين بقوله : "
شهادة بينكم " اليمين ، لا " الشهادة " التي يقوم بها من عنده شهادة لغيره ، لمن هي عنده ، على من هي عليه عند الحكام . لأنا لا نعلم لله - تعالى ذكره - حكما يجب فيه على الشاهد اليمين ، فيكون جائزا صرف " الشهادة " في هذا الموضع ، إلى " الشهادة " التي يقوم بها بعض الناس عند الحكام والأئمة .
[ ص: 158 ]
وفي حكم الآية في هذه ، اليمين على ذوي العدل وعلى من قام مقامهم ، باليمين بقوله " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله " أوضح الدليل على صحة ما قلنا في ذلك ، من أن " الشهادة " فيه : الأيمان ، دون الشهادة التي يقضى بها للمشهود له على المشهود عليه وفساد ما خالفه .
فإن قال قائل : فهل وجدت في حكم الله - تعالى ذكره - يمينا تجب على المدعي ، فتوجه قولك في الشهادة في هذا الموضع إلى الصحة؟
فإن قلت : " لا " تبين فساد تأويلك ذلك على ما تأولت ، لأنه يجب على هذا التأويل أن يكون المقسمان في قوله : "
فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما " هما المدعيان .
وإن قلت : " بلى " قيل لك : وفي أي حكم لله - تعالى ذكره - وجدت ذلك؟ قيل : وجدنا ذلك في أكثر المعاني . وذلك في حكم الرجل يدعي قبل رجل مالا فيقر به المدعى عليه قبله ذلك ، ويدعي قضاءه . فيكون القول قول رب الدين ، والرجل يعرف في يد الرجل السلعة ، فيزعم المعرف في يده أنه اشتراها من المدعي ، أو أن المدعي وهبها له ، وما أشبه ذلك مما يكثر إحصاؤه . وعلى هذا الوجه أوجب الله - تعالى ذكره - في هذا الموضع اليمين على المدعيين اللذين عثرا على الخائنين فيما خانا فيه .
[ ص: 159 ]
قال
أبو جعفر : واختلف أهل العربية في الرافع قوله : "
شهادة بينكم " وقوله : "
اثنان ذوا عدل منكم " .
فقال بعض نحويي
البصرة : معنى قوله : "
شهادة بينكم " شهادة اثنين ذوي عدل ، ثم ألقيت " الشهادة " وأقيم " الاثنان " مقامها ، فارتفعا بما كانت " الشهادة " به مرتفعة لو جعلت في الكلام . قال : وذلك في حذف ما حذف منه ، وإقامة ما أقيم مقام المحذوف نظير قوله :
واسأل القرية [ سورة يوسف : 82 ] ، وإنما يريد : واسأل أهل القرية ، وانتصبت " القرية " بانتصاب " الأهل " وقامت مقامه ، ثم عطف قوله : " أو آخران " على " الاثنين " .
وقال بعض نحويي
الكوفة : رفع " الاثنان " ب " الشهادة " أي : ليشهدكم اثنان من المسلمين ، أو آخران من غيركم .
وقال آخر منهم : رفعت " الشهادة " ب " إذا حضر " . وقال : إنما رفعت بذلك ، لأنه قال : " إذا حضر " فجعلها " شهادة " محذوفة مستأنفة ، ليست بالشهادة التي قد رفعت لكل الخلق ، لأنه قال - تعالى ذكره - : " أو آخران من غيركم " وهذه شهادة لا تقع إلا في هذا الحال ، وليست مما يثبت .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : " الشهادة " مرفوعة بقوله : " إذا حضر " لأن قوله : " إذا حضر "
[ ص: 160 ] بمعنى : عند حضور أحدكم الموت ، و " الاثنان " مرفوع بالمعنى المتوهم ، وهو : أن يشهد اثنان فاكتفى من قيل : " أن يشهد " بما قد جرى من ذكر " الشهادة " في قوله : "
شهادة بينكم " .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن " الشهادة " مصدر في هذا الموضع ، و " الاثنان " اسم ، والاسم لا يكون مصدرا . غير أن العرب قد تضع الأسماء مواضع الأفعال . فالأمر وإن كان كذلك ، فصرف كل ذلك إلى أصح وجوهه ما وجدنا إليه سبيلا أولى بنا من صرفه إلى أضعفها .