القول في تأويل قوله (
إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين : صفة شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت وقت الوصية ، أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم ، أيها المؤمنون ، أو رجلان آخران من غير أهل ملتكم ، إن أنتم سافرتم ذاهبين وراجعين في الأرض .
[ ص: 170 ]
وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله قيل للمسافر : " الضارب في الأرض " .
" فأصابتكم مصيبة الموت " يقول : فنزل بكم الموت .
ووجه أكثر أهل التأويل هذا الموضع إلى معنى التعقيب دون التخيير ، وقالوا : معناه : شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية ، اثنان ذوا عدل منكم إن وجدا ، فإن لم يوجدا فآخران من غيركم وإنما فعل ذلك من فعله ، لأنه وجه معنى " الشهادة " في قوله : " شهادة بينكم " إلى معنى الشهادة التي توجب للقوم قيام صاحبها عند الحاكم ، أو يبطلها . ذكر بعض من تأول ذلك كذلك :
12941 - حدثنا
عمران بن موسى القزاز قال : حدثنا
عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا
إسحاق بن سويد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر في قوله : "
ذوا عدل منكم " من المسلمين . فإن لم تجدوا من المسلمين ، فمن غير المسلمين .
12942 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار nindex.php?page=showalam&ids=12166ومحمد بن المثنى قالا حدثنا
ابن أبي عدي ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في قوله : "
اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قال : اثنان من أهل دينكم "
أو آخران من غيركم " من أهل الكتاب ، إذا كان ببلاد لا يجد غيرهم .
12943 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
داود ، عن
عامر ، عن
شريح في هذه الآية : " شهادة بينكم " إلى قوله : "
أو آخران من غيركم " قال : إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته ، فأشهد يهوديا أو نصرانيا ، أو مجوسيا ، فشهادتهم جائزة .
[ ص: 171 ]
12944 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " قال : هذا في الحضر "
أو آخران من غيركم " في السفر "
إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " هذا ، الرجل يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين ، فيدعو رجلين من
اليهود والنصارى والمجوس ، فيوصي إليهما .
12945 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الآية : "
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " الآية ، قال : إذا حضر الرجل الوفاة في سفر ، فيشهد رجلين من المسلمين . فإن لم يجد رجلين من المسلمين ، فرجلين من أهل الكتاب .
12946 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : "
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى قوله : "
ذوا عدل منكم " فهذا لمن مات وعنده المسلمون ، فأمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين . ثم قال : "
أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين ، فأمره الله - تعالى ذكره - بشهادة رجلين من غير المسلمين .
ووجه ذلك آخرون إلى معنى التخيير ، وقالوا : إنما عنى بالشهادة في هذا الموضع ، الأيمان على الوصية التي أوصى إليهما ، وائتمان الميت إياهما على ما ائتمنهما عليه من مال ليؤدياه إلى ورثته بعد وفاته ، إن ارتيب بهما . قالوا : وقد
[ ص: 172 ] يتمن الرجل على ماله من رآه موضعا للأمانة من مؤمن وكافر في السفر والحضر . وقد ذكرنا الرواية عن بعض من قال هذا القول فيما مضى ، وسنذكر بقيته إن شاء الله تعالى بعد .