القول في تأويل قوله (
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ( 44 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ونادى أهل الجنة أهل النار بعد دخولهموها : يا أهل النار ، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا في الدنيا على ألسن رسله ، من الثواب على الإيمان به وبهم ، وعلى طاعته ، فهل وجدتم ما وعدنا ربكم على ألسنتهم على
[ ص: 446 ] الكفر به وعلى معاصيه من العقاب؟ فأجابهم أهل النار : بأن نعم ، قد وجدنا ما وعد ربنا حقا ، كالذي : -
14670 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن مفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم ) ، قال : وجد أهل الجنة ما وعدوا من ثواب ، وأهل النار ما وعدوا من عقاب .
14671 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ) ، وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكل خير علمه الناس أو لم يعلموه ، ووعد أهل النار كل خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه ، فذلك قوله : (
وآخر من شكله أزواج ) ، [ سورة ص : 58 ] . قال : فنادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا : نعم . يقول : من الخزي والهوان والعذاب . قال أهل الجنة : فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا من النعيم والكرامة (
فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ) .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : (
قالوا نعم ) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل
المدينة والكوفة والبصرة : (
قالوا نعم ) ، بفتح العين من " نعم " .
وروي عن بعض
الكوفيين أنه قرأ : " قالوا نعم " بكسر " العين " ، وقد أنشد بيتا لبني كلب :
[ ص: 447 ] نعم ، إذا قالها ، منه محققة ولا تخيب " عسى " منه ولا قمن
بكسر " نعم " .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا ( نعم ) بفتح " العين " ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار ، واللغة المشهورة في العرب .
وأما قوله : (
فأذن مؤذن بينهم ) ، يقول : فنادى مناد ، وأعلم معلم بينهم (
أن لعنة الله على الظالمين ) ، يقول : غضب الله وسخطه وعقوبته على من كفر به .
وقد بينا القول في " أن " إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية ، وليس بصريح الحكاية ، بأنها تشددها العرب أحيانا ، وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانا ، وتعمل الفعل فيها فتنصبها به ، وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها ، فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وإذ كان ذلك كذلك ، فسواء شددت " أن " أو خففت في القراءة ، إذ كان معنى الكلام بأي ذلك قرأ القارئ واحدا ، وكانتا قراءتين مشهورتين في قرأة الأمصار .