القول في
تأويل قوله ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ( 19 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمشركين الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ببدر : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، يعني : إن تستحكموا الله على أقطع الحزبين للرحم ، وأظلم الفئتين ، وتستنصروه عليه ، فقد جاءكم حكم الله ، ونصره المظلوم على الظالم ، والمحق على المبطل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15831 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
المحاربي ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، قال : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء .
[ ص: 451 ]
15832 - . . . . قال : حدثنا
سويد بن عمرو الكلبي ، عن
حماد بن زيد ، عن
أيوب ، عن
عكرمة : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، قال : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء .
15833 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، يعني بذلك المشركين : إن تستنصروا فقد جاءكم المدد .
15834 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، أخبرني
عبد الله بن كثير ، عن
ابن عباس قوله : (
إن تستفتحوا ) ، قال : إن تستقضوا القضاء وإنه كان يقول : (
وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ) ، قلت : للمشركين ؟ قال : لا نعلمه إلا ذلك
15835 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، قال : كفار
قريش في قولهم : " ربنا افتح بيننا وبين
محمد وأصحابه " ! ففتح بينهم يوم
بدر .
15836 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، نحوه .
15837 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
الزهري : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، قال : استفتح
أبو جهل فقال : اللهم _ يعني
محمدا ونفسه _ " أينا كان أفجر لك ، اللهم وأقطع للرحم ، فأحنه اليوم " ! قال الله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) .
15838 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
الزهري في قوله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، قال : استفتح
[ ص: 452 ] أبو جهل بن هشام فقال : " اللهم أينا كان أفجر لك وأقطع للرحم ، فأحنه اليوم ! " يعني
محمدا عليه الصلاة والسلام ونفسه . قال الله عز وجل : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، فضربه ابنا
عفراء :
عوف ومعوذ ، وأجهز عليه
ابن مسعود .
15839 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو صالح قال ، حدثني
الليث قال ، حدثني
عقيل ، عن
ابن شهاب قال ، أخبرني
عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدوي ، حليف
بني زهرة ، أن المستفتح يومئذ
أبو جهل ، وأنه قال حين التقى القوم : " أينا أقطع للرحم ، وآتانا بما لا يعرف ، فأحنه الغداة " ! فكان ذلك استفتاحه ، فأنزل الله في ذلك : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، الآية .
15840 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، الآية ، يقول : قد كانت
بدر قضاء وعبرة لمن اعتبر .
[ ص: 453 ]
15841 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
مكة ، أخذوا بأستار
الكعبة واستنصروا الله وقالوا : " اللهم انصر أعز الجندين ، وأكرم الفئتين ، وخير القبيلتين " ! فقال الله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، يقول : نصرت ما قلتم ، وهو
محمد صلى الله عليه وسلم .
15842 - حدثنا عن
الحسين بن الفرج قال ، سمعت
أبا معاذ يقول ، حدثنا
عبيد بن سليمان قال ، سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) إلى قوله : (
وأن الله مع المؤمنين ) ، وذلك حين خرج المشركون ينظرون عيرهم ، وإن أهل العير ،
أبا سفيان وأصحابه ، أرسلوا إلى المشركين
بمكة يستنصرونهم ، فقال
أبو جهل : " أينا كان خيرا عندك فانصره " ! وهو قوله : (
إن تستفتحوا ) ، يقول : تستنصروا .
15843 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، قال : إن تستفتحوا العذاب ، فعذبوا يوم
بدر . قال : وكان استفتاحهم
بمكة ، قالوا : (
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) ، [ سورة الأنفال : 32 ] . قال : فجاءهم العذاب يوم
بدر . وأخبر عن يوم
أحد : (
وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) .
15844 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
ابن فضيل ، عن
مطرف ، عن
عطية قال : قال
أبو جهل يوم
بدر : " اللهم انصر أهدى الفئتين ، وخير الفئتين وأفضل " فنزلت : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) .
15845 - . . . . قال ، حدثنا
عبد الأعلى ، عن
معمر ، عن
الزهري : أن
أبا جهل هو الذي استفتح يوم
بدر وقال : " اللهم أينا كان أفجر وأقطع لرحمه ، فأحنه اليوم " ! فأنزل الله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) .
15846 - . . . . قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
ابن إسحاق ،
[ ص: 454 ] عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16425عبد الله بن ثعلبة بن صعير : أن
أبا جهل ، قال يوم
بدر : اللهم أقطعنا لرحمه ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة ! " . وكان ذلك استفتاحا منه ، فنزلت : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، الآية .
15847 - . . . . قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، عن
إبراهيم بن سعد ، عن
صالح بن كيسان ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16425عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : كان المستفتح يوم
بدر أبا جهل ، قال : " اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة ! " ، فأنزل الله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) .
15848 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12300محمد بن مسلم الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16425عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، حليف
بني زهرة قال : لما التقى الناس ، ودنا بعضهم من بعض ، قال
أبو جهل : " اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة ! " ، فكان هو المستفتح على نفسه قال
ابن إسحاق : فقال الله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، لقول
أبي جهل : " اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة ! " قال : " الاستفتاح " ، الإنصاف في الدعاء .
15849 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو معشر ، عن
يزيد بن رومان وغيره : قال
أبو جهل يوم
بدر : " اللهم انصر أحب الدينين إليك ، ديننا العتيق ، أم دينهم الحديث " ! فأنزل الله : (
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) ، إلى قوله : (
وأن الله مع المؤمنين ) .
[ ص: 455 ]
وأما قوله : (
وإن تنتهوا فهو خير لكم ) ، فإنه يقول : " وإن تنتهوا " ، يا معشر
قريش ، وجماعة الكفار ، عن الكفر بالله ورسوله ، وقتال نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به " فهو خير لكم " ، في دنياكم وآخرتكم (
وإن تعودوا نعد ) ، يقول : وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال اتباعه المؤمنين " نعد " ، أي : بمثل الواقعة التي أوقعت بكم يوم
بدر .
وقوله : (
ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت ) ، يقول : وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم ، ولن تغني عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسبيكم وهزمكم " فئتكم شيئا ولو كثرت " ، يعني : جندهم وجماعتهم من المشركين ، كما لم يغنوا عنهم يوم
بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد المؤمنين شيئا (
وأن الله مع المؤمنين ) ، يقول جل ذكره : وأن الله مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم ، ينصرهم عليهم ، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم
بدر على المشركين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15850 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق في قوله : (
وإن تنتهوا فهو خير لكم ) ، قال : يقول
لقريش "
وإن تعودوا نعد " ، لمثل الواقعة التي أصابتكم يوم
بدر (
ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) ، أي : وإن كثر عددكم في أنفسكم لن يغني عنكم شيئا . وإني مع المؤمنين ، أنصرهم على من خالفهم .
[ ص: 456 ]
وقد قيل : إن معنى قوله : (
وإن تعودوا نعد ) ، وإن تعودوا للاستفتاح ، نعد لفتح
محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا القول لا معنى له ، لأن الله تعالى قد كان ضمن لنبيه عليه السلام حين أذن له في حرب أعدائه إظهار دينه وإعلاء كلمته ، من قبل أن يستفتح
أبو جهل وحزبه ، فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك : " إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم ، وإن تعودوا نعد " ، لأن الله قد كان وعد نبيه صلى الله عليه وسلم الفتح بقوله : (
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) ، [ سورة الحج : 39 ] ، استفتح المشركون أو لم يستفتحوا .
ذكر من قال ذلك :
15851 - حدثنا
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وإن تعودوا نعد ) ، إن تستفتحوا الثانية نفتح
لمحمد صلى الله عليه وسلم (
ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) ،
محمد وأصحابه .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : (
وأن الله مع المؤمنين ) .
ففتحها عامة قرأة
أهل المدينة بمعنى : ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله لمع المؤمنين فعطف ب " أن " على موضع " ولو كثرت " ، كأنه قال : لكثرتها ، ولأن الله مع المؤمنين . ويكون موضع " أن " حينئذ نصبا على هذا القول .
وكان بعض أهل العربية يزعم أن فتحها إذا فتحت ، على : (
وأن الله موهن كيد الكافرين ) ، (
وأن الله مع المؤمنين ) ، عطفا بالأخرى على الأولى .
[ ص: 457 ]
وقرأ ذلك عامة
قرأة الكوفيين والبصريين : " وإن الله " ، بكسر الألف على الابتداء ، واعتلوا بأنها في قراءة عبد الله : " وإن الله لمع المؤمنين " .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب ، قراءة من كسر " إن " للابتداء ، لتقضي الخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله : (
وأن الله مع المؤمنين ) .