القول في
تأويل قوله ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( 33 )
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : تأويله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، أي : وأنت مقيم بين أظهرهم . قال : وأنزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم
بمكة . قال : ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ، فاستغفر من بها من المسلمين ، فأنزل بعد خروجه عليه ، حين استغفر أولئك بها : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " . قال : ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم ، فعذب الكفار .
* ذكر من قال ذلك .
15990 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
يعقوب ، عن
جعفر بن أبي المغيرة ، عن
ابن أبزى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم
بمكة ، فأنزل الله عليه :
[ ص: 510 ] "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة ، فأنزل الله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " . قال : فكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون يعني
بمكة فلما خرجوا أنزل الله عليه : "
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه " . قال : فأذن الله له في فتح
مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم .
15991 - حدثني
يعقوب قال ، حدثنا
هشيم قال ، أخبرنا
حصين ، عن
أبي مالك ، في قوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني : من بها من المسلمين "
وما لهم ألا يعذبهم الله " ، يعني
مكة ، وفيهم الكفار .
15992 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال ، أخبرنا
هشيم ، عن
حصين ، عن
أبي مالك ، في قول الله : "
وما كان الله ليعذبهم " ، يعني :
أهل مكة " وما كان الله معذبهم " ، وفيهم المؤمنون ، يستغفرون ، يغفر لمن فيهم من المسلمين .
15993 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
إسحاق بن إسماعيل الرازي ، وأبو داود الحفري ، عن
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
ابن أبزى : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : بقية من بقي من المسلمين منهم . فلما خرجوا قال : "
وما لهم ألا يعذبهم الله " .
15994 - . . . . . . . قال ، حدثنا
عمران بن عيينة ، عن
حصين ، عن
أبي مالك : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، قال :
أهل مكة .
[ ص: 511 ]
15995 - . . . . . . وأخبرنا أبي ، عن
سلمة بن نبيط ، عن
الضحاك : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : المؤمنون من
أهل مكة "
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " ، قال : المشركون من
أهل مكة .
15996 - . . . . . . قال : حدثنا
أبو خالد ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " قال : المؤمنون يستغفرون بين ظهرانيهم .
15997 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يقول : الذين آمنوا معك يستغفرون
بمكة ، حتى أخرجك والذين آمنوا معك .
15998 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج قال ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال :
ابن عباس : لم يعذب قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا معه ، ويلحقه بحيث أمر "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني المؤمنين . ثم أعاد إلى المشركين فقال : "
وما لهم ألا يعذبهم الله " .
15999 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد ، في قوله :
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، قال : يعني
أهل مكة . * * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين من
قريش بمكة وأنت فيهم ، يا
محمد ، حتى أخرجك من بينهم "
وما كان الله معذبهم " ، وهؤلاء المشركون ، يقولون : " يا رب غفرانك ! " ، وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول . قالوا : وقوله : "
وما لهم ألا يعذبهم الله " ، في الآخرة .
* ذكر من قال ذلك .
16000 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14386أحمد بن منصور الرمادي قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
عكرمة ، عن
أبي زميل ، عن
ابن عباس : إن المشركين كانوا يطوفون
[ ص: 512 ] بالبيت يقولون : " لبيك ، لبيك ، لا شريك لك " ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : " قد قد ! " فيقولون : " إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك " ، ويقولون : " غفرانك ، غفرانك ! " ، فأنزل الله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " . فقال
ابن عباس : كان فيهم أمانان : نبي الله ،
والاستغفار . قال : فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار "
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون " ، قال : فهذا عذاب الآخرة . قال : وذاك عذاب الدنيا .
16001 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو معشر ، عن
يزيد بن رومان ، ومحمد بن قيس قالا قالت
قريش بعضها لبعض :
محمد أكرمه الله من بيننا : "
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا " الآية . فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا : " غفرانك اللهم ! " ، فأنزل الله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " إلى قوله : " لا يعلمون " .
16002 - حدثني
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : كانوا يقولون يعني المشركين : والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ، ولا يعذب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها ! وذلك من قولهم ، ورسول لله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم . فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يذكر له جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم ، إذ قالوا : "
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " ، كما أمطرتها على
قوم لوط . وقال حين نعى
[ ص: 513 ] عليهم سوء أعمالهم : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، أي : لقولهم : [ " إنا نستغفر
ومحمد بين أظهرنا " " وما لهم ألا يعذبهم الله " ، وإن كنت بين أظهرهم ] ، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون " وهم يصدون عن
المسجد الحرام " ، أي : من آمن بالله وعبده ، أي : أنت ومن تبعك .
16003 - حدثنا
الحسن بن الصباح البزار . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . قال ، حدثنا
أبو بردة ، عن
أبي موسى قال : إنه كان قبل أمانان ، قوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " قال : أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى ، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة .
16004 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
يونس [ ص: 514 ] بن أبي إسحاق ، عن
عامر أبي الخطاب الثوري قال : سمعت
أبا العلاء يقول : كان لأمة
محمد صلى الله عليه وسلم أمنتان : فذهبت إحداهما وبقيت الأخرى : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، الآية . * * *
وقال آخرون : معنى ذلك : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يا
محمد ، وما كان الله معذب المشركين وهم يستغفرون أي : لو استغفروا . قالوا : ولم يكونوا يستغفرون ، فقال جل ثناؤه إذ لم يكونوا يستغفرون : "
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " .
* ذكر من قال ذلك .
16005 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : إن القوم لم يكونوا يستغفرون ، ولو كانوا يستغفرون ما عذبوا . وكان بعض أهل العلم يقول : هما أمانان أنزلهما الله : فأما أحدهما فمضى ، نبي الله . وأما الآخر فأبقاه الله رحمة بين أظهركم ، الاستغفار والتوبة .
16006 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : قال الله لرسوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يقول : ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون ، ولو استغفروا وأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين ، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون ؟ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن
محمد وعن
المسجد الحرام ؟
16007 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد ، في قوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال يقول : لو استغفروا لم أعذبهم .
[ ص: 515 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : وما كان الله ليعذبهم وهم يسلمون . قالوا : و" استغفارهم " ، كان في هذا الموضع ، إسلامهم .
* ذكر من قال ذلك .
16008 - حدثنا
سوار بن عبد الله قال ، حدثنا
عبد الملك بن الصباح قال ، حدثنا
عمران بن حدير ، عن
عكرمة ، في قوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : سألوا العذاب ، فقال : لم يكن ليعذبهم وأنت فيهم ، ولم يكن ليعذبهم وهم يدخلون في الإسلام .
16009 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : " وأنت فيهم " ، قال : بين أظهرهم وقوله : " وهم يستغفرون " ، قال : يسلمون .
16010 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، بين أظهرهم "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : وهم يسلمون "
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون " ،
قريش ، " عن
المسجد الحرام " .
16011 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا محمد بن عبيد الله ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، قال : بين أظهرهم "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : دخولهم في الإسلام . * * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وفيهم من قد سبق له من الله
الدخول في الإسلام .
[ ص: 516 ]
* ذكر من قال ذلك .
16012 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يقول : ما كان الله سبحانه يعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم . ثم قال : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يقول : ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان ، وهو الاستغفار . ثم قال : "
وما لهم ألا يعذبهم الله " ، فعذبهم يوم بدر بالسيف . * * *
وقال آخرون : بل معناه : وما كان الله معذبهم وهم يصلون .
* ذكر من قال ذلك .
16013 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني : يصلون ، يعني بهذا
أهل مكة .
16014 - حدثني
موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14129حسين الجعفي ، عن
زائدة ، عن
منصور ، عن
مجاهد في قول الله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : يصلون .
16015 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال ، سمعت
أبا معاذ قال ، حدثنا
عبيد بن سليمان قال ، سمعت
الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يعني :
أهل مكة . يقول : لم أكن لأعذبكم وفيكم
محمد . ثم قال : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، يعني : يؤمنون ويصلون .
16016 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، في قوله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، قال : وهم يصلون . * * *
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كان الله ليعذب المشركين وهم يستغفرون .
[ ص: 517 ]
قالوا : ثم نسخ ذلك بقوله : "
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " .
* ذكر من قال ذلك .
16017 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، عن
الحسين بن واقد ، عن
يزيد النحوي ، عن
عكرمة والحسن البصري قالا قال في " الأنفال " : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، فنسختها الآية التي تليها : "
وما لهم ألا يعذبهم الله " ، إلى قوله : "
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ، فقوتلوا
بمكة ، وأصابهم فيها الجوع والحصر . * * *
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب ، قول من قال : تأويله : "
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، يا
محمد ، وبين أظهرهم مقيم ، حتى أخرجك من بين أظهرهم ، لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، من ذنوبهم وكفرهم ، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك ، بل هم مصرون عليه ، فهم للعذاب مستحقون كما يقال : " ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إلي " ، يراد بذلك : لا أحسن إليك ، إذا أسأت إلي ، ولو أسأت إلي لم أحسن إليك ، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إلي . وكذلك ذلك ثم قيل : " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " ، بمعنى : وما شأنهم ، وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به ، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام ؟
وإنما قلنا : " هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب " ، لأن القوم أعني مشركي
مكة كانوا استعجلوا العذاب ، فقالوا : " اللهم إن كان ما جاء به
محمد هو الحق ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " فقال الله لنبيه : " ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم ، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا ،
[ ص: 518 ] وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم ، وهم يصدون عن المسجد الحرام ؟ " . فأعلمه جل ثناؤه أن الذي استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل ، وأعلمهم حال نزوله بهم ، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم . ولا وجه لإيعادهم العذاب في الآخرة ، وهم مستعجلوه في العاجل ، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون . بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر ، الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا . وكذلك لا وجه لقول من وجه قوله : "
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، إلى أنه عنى به المؤمنين ، وهو في سياق الخبر عنهم ، وعما الله فاعل بهم . ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضى ، وعلى ذلك [ كني ] به عنهم ، وأن لا خلاف في تأويله من أهله موجود .
وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال : ذلك منسوخ بقوله : " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " ، الآية ، لأن قوله جل ثناؤه : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " خبر ، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي . * * *
[ ص: 519 ]
واختلف أهل العربية في وجه دخول " أن " في قوله : "
وما لهم ألا يعذبهم الله " .
فقال بعض نحويي
البصرة : هي زائدة ههنا ، وقد عملت كما عملت " لا " وهي زائدة ، وجاء في الشعر :
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إلي ، لام ذوو أحسابها عمرا
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال : لم تدخل " أن " إلا لمعنى صحيح ، لأن معنى : " وما لهم " ، ما يمنعهم من أن يعذبوا . قال : فدخلت " أن " لهذا المعنى ، وأخرج ب " لا " ، ليعلم أنه بمعنى الجحد ، لأن المنع جحد . قال : و" لا " في البيت صحيح معناها ، لأن الجحد إذا وقع عليه جحد صار خبرا .
وقال : ألا ترى إلى قولك : " ما زيد ليس قائما " ، فقد أوجبت القيام ؟ قال : وكذلك " لا " في هذا البيت . * * *