[ ص: 254 ] القول في تأويل قوله (
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير ( 39 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله ، متوعدهم على ترك النفر إلى عدوهم من
الروم : إن لم تنفروا ، أيها المؤمنون ، إلى من استنفركم رسول الله ، يعذبكم الله عاجلا في الدنيا ، بترككم النفر إليهم ، عذابا موجعا (
ويستبدل قوما غيركم ) ، يقول : يستبدل الله بكم نبيه قوما غيركم ، ينفرون إذا استنفروا ، ويجيبونه إذا دعوا ، ويطيعون الله ورسوله (
ولا تضروه شيئا ) ، يقول : ولا تضروا الله ، بترككم النفير ومعصيتكم إياه شيئا ، لأنه لا حاجة به إليكم ، بل أنتم أهل الحاجة إليه ، وهو الغني عنكم وأنتم الفقراء (
والله على كل شيء قدير ) ، يقول جل ثناؤه : والله على إهلاككم واستبدال قوم غيركم بكم ، وعلى كل ما يشاء من الأشياء ، قدير .
وقد ذكر أن "العذاب الأليم" في هذا الموضع ، كان احتباس القطر عنهم .
ذكر من قال ذلك :
16721 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب قال : حدثني
عبد المؤمن بن خالد الحنفي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812248حدثني نجدة الخراساني قال : سمعت ابن عباس ، سئل عن قوله : ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) ، قال : إن رسول الله [ ص: 255 ] صلى الله عليه وسلم استنفر حيا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه ، فأمسك عنهم المطر ، فكان ذلك عذابهم ، فذلك قوله : ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) .
16722 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
عبد المؤمن ، عن
نجدة قال : سألت
ابن عباس ، فذكر نحوه إلا أنه قال : فكان عذابهم أن أمسك عنهم المطر .
16723 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) ، استنفر الله المؤمنين في لهبان الحر في غزوة
تبوك قبل
الشأم ، على ما يعلم الله من الجهد .
وقد زعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة .
ذكر من قال ذلك :
16724 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، عن
الحسين ، عن
يزيد ، عن
عكرمة والحسن البصري قالا قال : (
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) ، وقال : (
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم )
[ ص: 256 ] ، إلى قوله : (
ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) ، فنسختها الآية التي تلتها : (
وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، إلى قوله : (
لعلهم يحذرون ) ، [ سورة التوبة : 120 - 122 ] .
قال
أبو جعفر : ولا خبر بالذي قال
عكرمة والحسن ، من نسخ حكم هذه الآية التي ذكرا ، يجب التسليم له ، ولا حجة ناف لصحة ذلك . وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عدد من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعد ، وجائز أن يكون قوله : (
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) ، الخاص من الناس ، ويكون المراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفر ، على ما ذكرنا من الرواية عن
ابن عباس .
وإذا كان ذلك كذلك ، كان قوله : (
وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، نهيا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمن مقيم فيها ، وإعلاما من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض ، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر . وإذا كان ذلك كذلك ، لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للأخرى ، وكان حكم كل واحدة منهما ماضيا فيما عنيت به .