القول في
تأويل قوله تعالى : ( أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين [ ص: 213 ] ( 46 )
أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ( 47 ) )
يعني تعالى ذكره بقوله (
أو يأخذهم في تقلبهم ) أو يهلكهم في تصرفهم في البلاد ، وترددهم في أسفارهم (
فما هم بمعجزين ) يقول جل ثناؤه : فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى
وعلي بن داود ، قالا ثنا
عبد الله بن صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
أو يأخذهم في تقلبهم ) قال : إن شئت أخذته في سفر .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
أو يأخذهم في تقلبهم ) في أسفارهم .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، مثله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في ذلك ما حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج (
أو يأخذهم في تقلبهم ) قال : التقلب : أن يأخذهم بالليل والنهار .
وأما قوله (
أو يأخذهم على تخوف ) فإنه يعني : أو يهلكهم بتخوف ، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم ، يقال منه : تخوف مال فلان الإنفاق : إذا انتقصه ، ونحو تخوفه من التخوف بمعنى التنقص ، قول الشاعر :
تخوف السير منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن
يعني بقوله تخوف السير : تنقص سنامها . وقد ذكرنا عن
الهيثم بن عدي أنه كان يقول : هي لغة
لأزد شنوءة معروفة لهم ، ومنه قول الآخر
[ ص: 214 ] :
تخوف عدوهم مالي وأهدى سلاسل في الحلوق لها صليل
وكان
الفراء يقول : العرب تقول : تحوفته : أي تنقصته ، تحوفا : أي أخذته من حافاته وأطرافه ، قال : فهذا الذي سمعته ، وقد أتى التفسير بالحاء وهما بمعنى . قال : ومثله ما قرئ بوجهين قوله : إن لك في النهار سبحا وسبخا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
المسعودي ، عن
إبراهيم بن عامر بن مسعود ، عن رجل ، عن
عمر أنه سألهم عن هذه الآية (
أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف ) فقالوا : ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردده من الآيات ، فقال
عمر : ما أرى إلا أنه على ما تنتقصون من معاصي الله ، قال : فخرج رجل ممن كان عند
عمر ، فلقي أعرابيا ، فقال : يا فلان ما فعل ربك؟ قال : قد تخيفته ، يعني تنقصته ، قال : فرجع إلى
عمر فأخبره ، فقال : قدر الله ذلك .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
أو يأخذهم على تخوف ) يقول : إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوف بذلك .
[ ص: 215 ] حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس (
على تخوف ) قال : التنقص ، والتفزيع .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
أو يأخذهم على تخوف ) على تنقص .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء وحدثني
المثنى ، قال : أخبرنا
إسحاق ، قال : ثنا
عبد الله ، عن
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
على تخوف ) قال : تنقص .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أو يأخذهم على تخوف ) فيعاقب أو يتجاوز .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
أو يأخذهم على تخوف ) قال : كان يقال : التخوف : التنقص ، ينتقصهم من البلدان من الأطراف .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد بن سليمان ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
أو يأخذهم على تخوف ) يعني : يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى ، ويعذب القرية ويهلكها ، ويترك أخرى إلى جنبها .
وقوله : (
فإن ربكم لرءوف رحيم ) يقول : فإن ربكم إن لم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجل لهم ، وأخذهم بموت وتنقص بعضهم في أثر بعض ، لرءوف بخلقه ، رحيم بهم ، ومن رأفته ورحمته بهم لم يخسف بهم الأرض ، ولم يعجل لهم العذاب ، ولكن يخوفهم وينقصهم بموت .