القول في تأويل قوله تعالى : (
قل كونوا حجارة أو حديدا ( 50 )
أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ( 51 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمكذبين بالبعث بعد الممات من قومك القائلين (
أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ) كونوا إن عجبتم من إنشاء الله إياكم ، وإعادته أجسامكم ، خلقا جديدا بعد بلاكم في التراب ، ومصيركم رفاتا ، وأنكرتم ذلك من قدرته حجارة أو حديدا ، أو خلقا مما يكبر في صدوركم إن قدرتم على ذلك ، فإني أحييكم وأبعثكم خلقا جديدا بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أول مرة .
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) فقال بعضهم : عني به الموت ، وأريد به : أو كونوا الموت ، فإنكم إن كنتموه أمتكم ثم بعثتكم بعد ذلك يوم البعث .
[ ص: 464 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا
ابن إدريس ، عن أبيه ، عن
عطية ، عن
ابن عمر (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : الموت ، قال : لو كنتم موتى لأحييتكم .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) يعني الموت ، يقول : إن كنتم الموت أحييتكم .
حدثني
محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا
أبو مالك الجنبي ، قال : ثنا
ابن أبي خالد ، عن
أبي صالح في قوله (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : الموت .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
سليمان أبو داود ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن ، في قوله (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : الموت .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
سعيد بن جبير ، في قوله (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) كونوا الموت إن استطعتم ، فإن الموت سيموت; قال : وليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من الموت .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال : بلغني ، عن
سعيد بن جبير ، قال : هو الموت .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811637 " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح حتى يجعل بين الجنة والنار ، فينادي مناد يسمع أهل الجنة وأهل النار ، فيقول : هذا الموت قد جئنا به ونحن مهلكوه ، فايقنوا يا أهل الجنة وأهل النار أن الموت قد هلك " .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا
عبيد بن سليمان ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) يعني الموت ، يقول : لو كنتم الموت لأمتكم .
[ ص: 465 ]
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811638إن الله يجيء بالموت يوم القيامة ، وقد صار أهل الجنة وأهل النار إلى منازلهم ، كأنه كبش أملح ، فيقف بين الجنة والنار ، فينادي أهل الجنة وأهل النار هذا الموت ، ونحن ذابحوه ، فأيقنوا بالخلود .
وقال آخرون : عنى بذلك السماء والأرض والجبال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : السماء والأرض والجبال .
وقال آخرون : بل أريد بذلك : كونوا ما شئتم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : ما شئتم فكونوا ، فسيعيدكم الله كما كنتم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : من خلق الله ، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم يوم القيامة خلقا جديدا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره قال (
أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) ، وجائز أن يكون عنى به الموت ، لأنه عظيم في صدور بني آدم; وجائز أن يكون أراد به السماء والأرض; وجائز أن يكون أراد به غير ذلك ، ولا بيان في ذلك أبين مما بين جل ثناؤه ، وهو كل ما كبر في صدور بني آدم من خلقه ، لأنه لم يخصص منه شيئا دون شيء .
وأما قوله (
فسيقولون من يعيدنا ) فإنه يقول : فسيقول لك يا محمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة (
من يعيدنا ) خلقا جديدا ، إن كنا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدورنا ، فقل لهم : يعيدكم (
الذي فطركم أول مرة ) يقول :
[ ص: 466 ] يعيدكم كما كنتم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء ، الذي خلقكم إنسا من غير شيء أول مرة .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
قل الذي فطركم أول مرة ) أي خلقكم (
فسينغضون إليك رءوسهم ) يقول : فإنك إذا قلت لهم ذلك ، فسيهزون إليك رءوسهم برفع وخفض ، وكذلك النغض في كلام العرب ، إنما هو حركة بارتفاع ثم انخفاض ، أو انخفاض ثم ارتفاع ، ولذلك سمي الظليم نغضا ، لأنه إذا عجل المشي ارتفع وانخفض ، وحرك رأسه ، كما قال الشاعر .
أسك نغضا لا يني مستهدجا
ويقال : نغضت سنه : إذا تحركت وارتفعت من أصلها; ومنه قول الراجز :
ونغضت من هرم أسنانها
وقول الآخر :
لما رأتني أنغضت لي الرأسا
[ ص: 467 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
فسينغضون إليك رءوسهم ) أي يحركون رءوسهم تكذيبا واستهزاء .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
فسينغضون إليك رءوسهم ) قال : يحركون رءوسهم .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
فسينغضون إليك رءوسهم ) يقول : سيحركونها إليك استهزاء .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس (
فسينغضون إليك رءوسهم ) قال : يحركون رءوسهم يستهزءون ويقولون متى هو .
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
فسينغضون إليك رءوسهم ) يقول : يهزءون .
وقوله (
ويقولون متى هو ) يقول جل ثناؤه : ويقولون متى البعث ، وفي أي حال ووقت يعيدنا خلقا جديدا ، كما كنا أول مرة ، قال الله عز وجل لنبيه : قل لهم يا
محمد إذ قالوا لك : متى هو ، متى هذا البعث الذي تعدنا ، عسى أن يكون قريبا ؟ وإنما معناه : هو قريب ، لأن عسى من الله واجب ، ولذلك
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810752 " بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى " ، لأن الله تعالى كان قد أعلمه أنه قريب مجيب .