القول في
تأويل قوله تعالى : ( قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ( 85 )
فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ( 86 ) )
يقول الله تعالى ذكره قال الله
لموسى : فإنا يا
موسى قد ابتلينا قومك من بعدك بعبادة العجل ، وذلك كان فتنتهم من بعد
موسى .
ويعني بقوله ( من بعدك ) من بعد فراقك إياهم يقول الله تبارك وتعالى (
وأضلهم السامري )
[ ص: 350 ] وكان إضلال
السامري إياهم دعاءه إياهم إلى عبادة العجل .
وقوله (
فرجع موسى إلى قومه ) يقول : فانصرف
موسى إلى قومه من
بني إسرائيل بعد انقضاء الأربعين ليلة (
غضبان أسفا ) متغيظا على قومه ، حزينا لما أحدثوه بعده من الكفر بالله .
كما حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
غضبان أسفا ) يقول : حزينا ، وقال في الزخرف (
فلما آسفونا ) يقول : أغضبونا ، والأسف على وجهين : الغضب ، والحزن .
حدثني
موسى قال : ثنا
عمرو قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
غضبان أسفا ) يقول : حزينا .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ) : أي حزينا على ما صنع قومه من بعده .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد قوله (
أسفا ) قال : حزينا .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد مثله ، وقوله (
قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ) يقول : ألم يعدكم ربكم أنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ، ويعدكم جانب الطور الأيمن ، وينزل عليكم المن والسلوى ، فذلك وعد الله .
الحسن بني إسرائيل الذي قال لهم موسى : ألم يعدكموه ربكم ، وقوله (
أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ) يقول : أفطال عليكم العهد بي ، وبجميل نعم الله عندكم ، وأياديه لديكم ، أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم : يقول : أم أردتم أن يجب عليكم غضب من ربكم فتستحقوه بعبادتكم العجل ، وكفركم بالله ، فأخلفتم موعدي . وكان إخلافهم موعده عكوفهم على العجل ، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذي كان الله وعدهم ، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ودعاهم إلى السير معه في أثر
موسى [ ص: 351 ] (
لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) .