[ ص: 620 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ( 31 ) )
يقول تعالى ذكره : اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان ، وقول الشرك ، مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له ، وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام ، غير مشركين به شيئا من دونه ، فإنه من يشرك بالله شيئا من دونه ، فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه مثل من خر من السماء فتخطفه الطير فهلك ، أو هوت به الريح في مكان سحيق ، يعني من بعيد ، من قولهم : أبعده الله وأسحقه ، وفيه لغتان : أسحقته الريح وسحقته ، ومنه قيل للنخلة الطويلة : نخلة سحوق ; ومنه قول الشاعر :
كانت لنا جارة فأزعجها قاذورة تسحق النوى قدما
ويروى : تسحق : يقول : فهكذا مثل المشرك بالله في بعده من ربه ومن إصابة الحق ، كبعد هذا الواقع من السماء إلى الأرض ، أو كهلاك من اختطفته الطير منهم في الهواء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
فكأنما خر من السماء ) قال : هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه (
فتخطفه الطير أو تهوى به [ ص: 621 ] الريح في مكان سحيق ) .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة مثله .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
في مكان سحيق ) قال : بعيد .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد مثله .
وقيل : (
فتخطفه الطير ) وقد قيل قبله : (
فكأنما خر من السماء ) وخر فعل ماض ، وتخطفه مستقبل ، فعطف بالمستقبل على الماضي ، كما فعل ذلك في قوله : (
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) وقد بينت ذلك هناك .