[ ص: 30 ] القول في تأويل
قوله تعالى : ( هيهات هيهات لما توعدون ( 36 )
إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ( 37 ) )
وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قول الملأ من
ثمود أنهم قالوا : هيهات هيهات : أي بعيد ما توعدون أيه القوم ، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياء من قبوركم ، يقولون : ذلك غير كائن .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
هيهات هيهات ) يقول : بعيد بعيد .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
هيهات هيهات لما توعدون ) قال : يعني البعث .
والعرب تدخل اللام مع هيهات في الاسم الذي يصحبها وتنزعها منه ، تقول : هيهات لك هيهات ، وهيهات ما تبتغي هيهات ; وإذا أسقطت اللام رفعت الاسم بمعنى هيهات ، كأنه قال : بعيد ما ينبغي لك ; كما قال
جرير :
فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله
كأنه قال : العقيق وأهله ، وإنما أدخلت اللام مع هيهات في الاسم ، لأنهم قالوا : هيهات أداة غير مأخوذة من فعل ، فأدخلوا معها في الاسم اللام ، كما أدخلوها مع هلم
[ ص: 31 ] لك ، إذ لم تكن مأخوذة من فعل ، فإذا قالوا : أقبل ، لم يقولوا لك ، لاحتمال الفعل ضمير الاسم .
واختلف
أهل العربية في كيفية الوقف على هيهات ، فكان
الكسائي يختار الوقوف فيها بالهاء ; لأنها منصوبة ، وكان
الفراء يختار الوقوف عليها بالتاء ، ويقول : من
العرب من يخفض التاء ، فدل على أنها ليست بهاء التأنيث ، فصارت بمنزلة دراك ونظار ، وأما نصب التاء فيهما ; فلأنهما أداتان ، فصارتا بمنزلة خمسة عشر ، وكان
الفراء يقول : إن قيل : إن كل واحدة مستغنية بنفسها ، يجوز الوقوف عليها ، وإن نصبها كنصب قوله : ثمت جلست ; وبمنزلة قول الشاعر .
ماوي يا ربتما غارة شعواء كاللذعة بالميسم
قال : فنصب هيهات بمنزلة هذه الهاء التي في " ربت " لأنها دخلت على حرف ، على رب وعلى ثم ، وكانا أداتين ، فلم تغيرهما عن أداتهما فنصبا .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته قراء الأمصار غير
أبي جعفر : (
هيهات هيهات ) بفتح التاء فيهما . وقرأ ذلك
أبو جعفر : ( هيهات هيهات ) بكسر التاء فيهما . والفتح فيهما هو القراءة عندنا ; لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله : (
إن هي إلا حياتنا الدنيا ) يقول : ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها (
نموت ونحيا ) يقول : تموت الأحياء منا فلا تحيا ، ويحدث آخرون منا فيولدون أحياء (
وما نحن بمبعوثين ) يقول : قالوا : وما نحن بمبعوثين بعد الممات .
كما حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ) قال : يقول ليس آخرة ولا بعث ، يكفرون بالبعث ، يقولون : إنما هي حياتنا هذه ثم نموت ولا نحيا ، يموت هؤلاء ويحيا
[ ص: 32 ] هؤلاء ، يقولون : إنما الناس كالزرع يحصد هذا ، وينبت هذا ، يقولون : يموت هؤلاء ، ويأتي آخرون ، وقرأ : (
وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ) وقرأ : (
لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ) .