صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( كل له قانتون ( 116 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : مطيعون .

ذكر من قال ذلك :

1850 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( كل له قانتون ) ، مطيعون .

1851 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( كل له قانتون ) ، قال : مطيعون . قال : طاعة الكافر في سجود ظله .

1852 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بمثله ، إلا أنه زاد : بسجود ظله وهو كاره .

1853 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( كل له قانتون ) ، يقول : كل له مطيعون يوم القيامة .

1854 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عمن ذكره ، عن عكرمة : ( كل له قانتون ) ، قال : الطاعة .

1855 - حدثت عن المنجاب بن الحارث قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( قانتون ) ، مطيعون . [ ص: 539 ]

وقال آخرون : معنى ذلك كل له مقرون بالعبودية .

ذكر من قال ذلك :

1856 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة : ( كل له قانتون ) ، كل مقر له بالعبودية .

وقال آخرون بما : -

1857 - حدثني به المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( كل له قانتون ) ، قال : كل له قائم يوم القيامة .

ول " القنوت " في كلام العرب معان : أحدها الطاعة ، والآخر القيام ، والثالث الكف عن الكلام والإمساك عنه .

وأولى معاني "القنوت" في قوله : ( كل له قانتون ) ، الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية ، بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة ، والدلالة على وحدانية الله عز وجل ، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها . وذلك أن الله - جل ثناؤه - أكذب الذين زعموا أن لله ولدا بقوله : ( بل له ما في السماوات والأرض ) ، ملكا وخلقا ، ثم أخبر عن جميع ما في السماوات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها ، وأن الله تعالى بارئها وصانعها . وإن جحد ذلك بعضهم ، فألسنتهم مذعنة له بالطاعة ، بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك ، وأن المسيح أحدهم ، فأنى يكون لله ولدا وهذه صفته؟

وقد زعم بعض من قصرت معرفته عن توجيه الكلام وجهته ، أن قوله : ( كل له قانتون ) ، خاصة لأهل الطاعة وليست بعامة ، وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، لما قد بينا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" .

وهذا خبر من الله - جل وعز - عن أن المسيح - الذي زعمت النصارى أنه ابن الله - [ ص: 540 ] مكذبهم هو والسماوات والأرض وما فيها ، إما باللسان ، وإما بالدلالة ، وذلك أن الله - جل ثناؤه - أخبر عن جميعهم ، بطاعتهم إياه ، وإقرارهم له بالعبودية ، عقيب قوله : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) ، فدل ذلك على صحة ما قلنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية