الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( بديع السماوات والأرض )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( بديع السماوات والأرض ) ، مبدعها .

وإنما هو "مفعل" صرف إلى "فعيل" كما صرف "المؤلم" إلى "أليم" ، و"المسمع" إلى "سميع" . ومعنى"المبدع" : المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد ، ولذلك سمي المبتدع في الدين "مبتدعا" ، لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره . وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا ، ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة ، في مدح هوذة بن علي الحنفي :


يرعي إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم ، أو ما شاءه ابتدعا

أي يحدث ما شاء ، ومنه قول رؤبة بن العجاج :


فأيها الغاشي القذاف الأتيعا     إن كنت لله التقي الأطوعا
فليس وجه الحق أن تبدعا

يعني : أن تحدث في الدين ما لم يكن فيه . [ ص: 541 ]

فمعنى الكلام : سبحان الله أنى يكون له ولد وهو مالك ما في السماوات والأرض ، تشهد له جميعا بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقر له بالطاعة ، وهو بارئها وخالقها ، وموجدها من غير أصل ، ولا مثال احتذاها عليه؟

وهذا إعلام من الله - جل ثناؤه - عباده ، أن مما يشهد له بذلك : المسيح ، الذي أضافوا إلى الله - جل ثناؤه - بنوته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

1858 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدع خلقها ، ولم يشركه في خلقها أحد .

1859 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدعها فخلقها ، ولم يخلق قبلها شيء فيتمثل به .

التالي السابق


الخدمات العلمية