القول في تأويل قوله تعالى : (
ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ( 10 )
أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير ( 11 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ولقد أعطينا
داود منا فضلا وقلنا للجبال ( أوبي معه ) : سبحي معه إذا سبح . والتأويب عند العرب : الرجوع ومبيت الرجل في منزله وأهله ، ومنه قول الشاعر :
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
[ ص: 357 ] أي رجوع وقد كان بعضهم يقرؤه ( أوبي معه ) من آب يئوب ، بمعنى تصرفي معه ، وتلك قراءة لا أستجيز القراءة بها ؛ لخلافها قراءة الحجة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
سليمان بن عبد الجبار قال : ثني
محمد بن الصلت قال : ثنا
أبو كدينة ، وحدثنا
محمد بن سنان القزاز قال : ثنا
الحسن بن الحسن الأشقر قال : ثنا
أبو كدينة ، عن
عطاء ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ( أوبي معه ) قال : سبحي معه .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله ( يا جبال أوبي معه ) يقول : سبحي معه .
حدثنا
أبو عبد الرحمن العلائي قال : ثنا
مسعر ، عن
أبي حصين ، عن
أبي عبد الرحمن (
يا جبال أوبي معه ) يقول : سبحي .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي ميسرة ، (
يا جبال أوبي معه ) قال : سبحي بلسان الحبشة .
حدثني
يحيى بن طلحة اليربوعي قال : ثنا
فضيل ، عن
منصور ، عن
مجاهد في قوله (
يا جبال أوبي معه ) قال : سبحي معه .
[ ص: 358 ] حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
يا جبال أوبي معه ) قال : سبحي .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
يا جبال أوبي معه ) أي : سبحي معه إذا سبح .
حدثني
يونس ، ، قال أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
يا جبال أوبي معه ) قال : سبحي معه قال : والطير أيضا .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله ( يا جبال أوبي معه ) قال : سبحي .
حدثنا
عمرو بن عبد الحميد قال : ثنا
مروان بن معاوية ، عن
جويبر ، عن
الضحاك قوله (
يا جبال أوبي معه ) سبحي معه .
وقوله ( والطير ) وفي نصب الطير وجهان : أحدهما على ما قاله
ابن زيد من أن الطير نوديت كما نوديت الجبال فتكون منصوبة من أجل أنها معطوفة على مرفوع بما لا يحسن إعادة رافعه عليه فيكون كالمصدر عن جهته . والآخر : فعل ضمير متروك استغني بدلالة الكلام عليه ، فيكون معنى الكلام : فقلنا يا جبال أوبي معه وسخرنا له الطير . وإن رفع ردا على ما في قوله : سبحي من ذكر الجبال كان جائزا ، وقد يجوز رفع الطير وهو معطوف على الجبال ، وإن لم يحسن نداؤها بالذي نوديت به الجبال ، فيكون ذلك كما قال الشاعر :
ألا يا عمرو والضحاك سيرا فقد جاوزتما خمر الطريق
[ ص: 359 ] وقوله (
وألنا له الحديد ) ذكر أن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار ولا ضرب بحديد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وألنا له الحديد ) سخر الله له الحديد بغير نار .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
ابن عثمة قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15991سعيد بن بشير ، عن
قتادة في قوله (
وألنا له الحديد ) كان يسويها بيده ولا يدخلها نارا ولا يضربها بحديدة .
وقوله (
أن اعمل سابغات ) يقول : وعهدنا إليه أن اعمل سابغات : وهي التوام الكوامل من الدروع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أن اعمل سابغات ) دروعا ، وكان أول من صنعها داود ، إنما كان قبل ذلك صفائح .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
أن اعمل سابغات ) قال : السابغات دروع الحديد .
وقوله ( وقدر في السرد ) اختلف أهل التأويل في السرد . فقال بعضهم : السرد هو مسمار حلق الدرع .
[ ص: 360 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وقدر في السرد ) قال : كان يجعلها بغير نار ، ولا يقرعها بحديد ، ثم يسردها . والسرد : المسامير التي في الحلق .
وقال آخرون : هو الحلق بعينها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وقدر في السرد ) قال : السرد حلقه . أي : قدر تلك الحلق . قال : وقال الشاعر :
أجاد المسدي سردها وأذالها
قال : يقول وسعها وأجاد حلقها .
حدثنا
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ( وقدر في السرد ) يعني بالسرد : ثقب الدروع فيسد قتيرها . وقال بعض أهل العلم بكلام العرب : يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق ، واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر :
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
[ ص: 361 ] وقيل : إنما قال الله لداود (
وقدر في السرد ) لأنها كانت قبل صفائح .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
نصر بن علي قال : ثنا أبي قال : ثنا
خالد بن قيس ، عن
قتادة (
وقدر في السرد ) قال : كانت صفائح ، فأمر أن يسردها حلقا . وعنى بقوله (
وقدر في السرد ) : وقدر المسامير في حلق الدروع حتى يكون بمقدار ، لا تغلظ المسمار ، وتضيق الحلقة فتفصم الحلقة ، ولا توسع الحلقة وتصغر المسامير وتدقها فتسلس في الحلقة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله (
وقدر في السرد ) قال : قدر المسامير والحلق ; لا تدق المسامير فتسلس ولا تجلها . قال
محمد بن عمرو وقال
الحارث : فتفصم .
حدثني
علي بن سهل قال : ثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد في قوله (
وقدر في السرد ) قال : لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فتسلس ، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فيفصم المسمار .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
ابن عيينة قال : ثنا أبي عن
الحكم في قوله (
وقدر في السرد )
[ ص: 362 ] قال : لا تغلظ المسمار فيفصم الحلقة ولا تدقه فيقلق .
وقوله (
واعملوا صالحا ) يقول - تعالى ذكره - : واعمل يا داود أنت وآلك بطاعة الله (
إني بما تعملون بصير ) يقول - جل ثناؤه - : إني بما تعمل أنت وأتباعك ذو بصر لا يخفى علي منه شيء ، وأنا مجازيك وإياهم على جميع ذلك .