الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ( 12 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله ( ولسليمان الريح ) فقرأته عامة قراء الأمصار ( ولسليمان الريح ) بنصب الريح ، بمعنى : ولقد آتينا داود منا فضلا وسخرنا لسليمان الريح . وقرأ ذلك عاصم : ( ولسليمان الريح ) رفعا بحرف الصفة إذ لم يظهر الناصب .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا النصب لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله ( غدوها شهر ) يقول - تعالى ذكره - : وسخرنا لسليمان الريح ، غدوها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر ، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : تغدو مسيرة شهر وتروح مسيرة شهر قال : مسيرة شهرين في يوم .

[ ص: 363 ] حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن أبي إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : ذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتاب كتبه بعض صحابة سليمان ; إما من الجن وإما من الإنس : نحن نزلناه وما بنيناه ، ومبنيا وجدناه ، غدونا من إصطخر فقلناه ، ونحن رائحون منه إن شاء الله فبائتون بالشام .

حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ، قال ابن زيد في قوله ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : كان له مركب من خشب ، وكان فيه ألف ركن ، في كل ركن ألف بيت تركب فيه الجن والإنس ، تحت كل ركن ألف شيطان ، يرفعون ذلك المركب هم والعصار ، فإذا ارتفع أتت الريح رخاء فسارت به وساروا معه ، يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ، ويمسي عند قوم بينه وبينهم شهر ، ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش والجنود .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو عامر قال : ثنا قرة ، عن الحسن في قوله ( غدوها شهر ورواحها شهر ) قال : كان يغدو فيقيل في إصطخر ، ثم يروح منها فيكون رواحها بكابل .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا حماد قال : ثنا قرة ، عن الحسن بمثله .

وقوله ( وأسلنا له عين القطر ) يقول : وأذبنا له عين النحاس ، وأجريناها له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأسلنا له عين القطر ) [ ص: 364 ] عين النحاس كانت بأرض اليمن ، وإنما ينتفع اليوم بما أخرج الله لسليمان .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وأسلنا له عين القطر ) قال : الصفر سال كما يسيل الماء ، يعمل به كما كان يعمل العجين في اللبن .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( وأسلنا له عين القطر ) يقول : النحاس .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( وأسلنا له عين القطر ) يعني : عين النحاس أسيلت .

وقوله ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) يقول - تعالى ذكره - : ومن الجن من يطيعه ويأتمر بأمره وينتهي لنهيه ; فيعمل بين يديه ما يأمره طاعة له بإذن ربه ، يقول : بأمر الله بذلك ، وتسخيره إياه له ( ومن يزغ منهم عن أمرنا ) يقول : ومن يزل ويعدل من الجن عن أمرنا الذي أمرناه من طاعة سليمان ( نذقه من عذاب السعير ) في الآخرة ، وذلك عذاب نار جهنم الموقدة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، وقوله ( ومن يزغ منهم عن أمرنا ) أي : يعدل منهم عن أمرنا عما أمره به سليمان ( نذقه من عذاب السعير ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية