[ ص: 452 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ( 21 )
وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ( 22 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وقال هؤلاء الذين يحشرون إلى النار من أعداء الله سبحانه لجلودهم إذ شهدت عليهم بما كانوا في الدنيا يعملون : لم شهدتم علينا بما كنا نعمل في الدنيا ؟ .
فأجابتهم جلودهم : (
أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ) فنطقنا؛ وذكر أن هذه الجوارح تشهد على أهلها عند استشهاد الله إياها عليهم إذا هم أنكروا الأفعال التي كانوا فعلوها في الدنيا بما سخط الله ، وبذلك جاء الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ذكر الأخبار التي رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
حدثنا
أحمد بن حازم الغفاري قال : أخبرنا
علي بن قادم الفزاري قال : أخبرنا
شريك ، عن
عبيد المكتب ، عن
الشعبي ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=812521عن أنس قال : ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : " ألا تسألوني مم ضحكت ؟ " قالوا : مم ضحكت يا رسول الله ؟ قال : " عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة! قال : يقول : يا رب أليس وعدتني أن لا تظلمني ؟ قال : فإن لك ذلك ، قال : فإني لا أقبل علي شاهدا إلا من نفسي ، قال : أوليس كفى بي شهيدا ، وبالملائكة الكرام الكاتبين ؟ قال فيختم على فيه ، وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، قال : فيقول لهن : بعدا لكن وسحقا ، عنكن كنت أجادل " .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
عبيد المكتب ، عن
فضيل بن عمرو ، عن
الشعبي ، عن
أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه .
[ ص: 453 ]
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14745عباس بن أبي طالب قال : ثنا
يحيى بن أبي بكر ، عن
شبل قال : سمعت
أبا قزعة يحدث
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ، وأشار بيده إلى
الشأم ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810968هاهنا إلى هاهنا تحشرون ركبانا ومشاة على وجوهكم يوم القيامة ، على أفواهكم الفدام ، توقون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وإن أول ما يعرب من أحدكم فخذه " .
حدثنا
مجاهد بن موسى قال : ثنا
يزيد قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14095الحريري ، عن
حكيم بن معاوية ، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810969وتجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام ، وإن أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه " .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810970ما لي أمسك بحجزكم من النار ؟ ألا إن ربي داعي وإنه سائلي هل بلغت عباده ؟ وإني قائل : رب قد بلغتهم ، فيبلغ شاهدكم غائبكم ، ثم إنكم مدعون مفدمة أفواهكم بالفدام ، ثم إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه " .
حدثني
محمد بن خلف قال : ثنا
الهيثم بن خارجة ، عن
إسماعيل بن عياش ، عن
ضمضم بن زرعة ، عن
شريح بن عبيد ، عن
عقبة ، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810971إن أول عظم تكلم من الإنسان يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال " .
وقوله : (
وهو خلقكم أول مرة ) يقول - تعالى ذكره - : والله خلقكم الخلق الأول ولم تكونوا شيئا . يقول : وإليه مصيركم من بعد مماتكم . (
وما كنتم تستترون ) في الدنيا (
أن يشهد عليكم ) يوم القيامة (
سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ) .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : (
وما كنتم تستترون ) ، فقال بعضهم : معناه : وما كنتم تستخفون .
[ ص: 454 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وما كنتم تستترون ) : أي تستخفون منها .
وقال آخرون : معناه : وما كنتم تتقون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
وما كنتم تستترون ) قال : تتقون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كنتم تظنون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وما كنتم تستترون ) يقول : وما كنتم تظنون (
أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ) حتى بلغ ( كثيرا مما ) كنتم ( تعملون ) ، والله إن عليك يا ابن آدم لشهودا غير متهمة من بدنك ، فراقبهم واتق الله في سر أمرك وعلانيتك ، فإنه لا يخفى عليه خافية ، الظلمة عنده ضوء ، والسر عنده علانية ، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل ، ولا قوة إلا بالله .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : وما كنتم تستخفون ، فتتركوا ركوب محارم الله في الدنيا حذرا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم اليوم .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن المعروف من معاني الاستتار الاستخفاء .
[ ص: 455 ]
فإن قال قائل : وكيف يستخفي الإنسان عن نفسه مما يأتي ؟ قيل : قد بينا أن معنى ذلك إنما هو الأماني ، وفي تركه إتيانه إخفاؤه عن نفسه .
وقوله : (
ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما كنتم تعملون ) يقول - جل ثناؤه - : ولكن حسبتم حين ركبتم في الدنيا من معاصي الله أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون من أعمالكم الخبيثة ، فلذلك لم تستتروا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم ، فتتركوا ركوب ما حرم الله عليكم .
وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل نفر تدارءوا بينهم في علم الله بما يقولونه ويتكلمون سرا .
ذكر الخبر بذلك .
حدثني
ابن يحيى القطعي قال : ثنا
أبو داود قال : ثنا
قيس ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، عن
أبي معمر الأزدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : كنت مستترا بأستار الكعبة ، فدخل ثلاثة نفر ، ثقفيان وقرشي ، أو قرشيان وثقفي ، كثير شحوم بطونهما ، قليل فقه قلوبهما ، فتكلموا بكلام لم أفهمه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ فقال الرجلان : إذا رفعنا أصواتنا سمع ، وإذا لم نرفع لم يسمع ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك ، فنزلت هذه الآية : (
وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ) . . . إلى آخر الآية .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : ثنا
يحيى بن سعيد قال : ثنا
سفيان قال : ثني
الأعمش ، عن
عمارة بن عمير ، عن
وهب بن ربيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : إني لمستتر بينهم بحديث ، فقال أحدهم : أترى الله يسمع ما قلنا ؟ فقال الآخر : إنه يسمع إذا رفعنا ، ولا يسمع إذا خفضنا . وقال الآخر : إذا كان يسمع منه شيئا فهو يسمعه كله ، قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه
[ ص: 456 ] وسلم ، فذكرت ذلك له ، فنزلت هذه الآية : (
وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ) . . . حتى بلغ (
وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ) .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
يحيى قال : ثنا
سفيان قال : ثني
منصور ، عن
مجاهد ، عن
أبي معمر ، عن
عبد الله بنحوه .