القول في
تأويل قوله تعالى : ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ( 15 )
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( 16 ) )
وهذا تقريع من الله لمشركي
قريش الذين قالوا : (
أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ) يقول لهم - جل ثناؤه - : أفعيينا بابتداع الخلق الأول الذي خلقناه ، ولم يكن شيئا فنعيا بإعادتهم خلقا جديدا بعد بلائهم في التراب ، وبعد فنائهم ؟ ! . يقول : ليس يعيينا ذلك ، بل نحن عليه قادرون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
أفعيينا بالخلق الأول ) يقول : لم يعينا الخلق الأول .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
أفعيينا بالخلق الأول ) يقول : أفعيي علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا ، فتمتروا بالبعث .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
عطاء بن السائب ، عن
أبي ميسرة (
أفعيينا بالخلق الأول ) قال : إنا خلقناكم .
وقوله (
بل هم في لبس من خلق جديد ) يقول - تعالى ذكره - : ما يشك هؤلاء المشركون المكذبون بالبعث أنا لم نعي بالخلق الأول ، ولكنهم في شك من قدرتنا على أن نخلقهم خلقا جديدا بعد فنائهم ، وبلائهم في قبورهم .
[ ص: 341 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
بل هم في لبس من خلق جديد ) يقول : في شك من البعث .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
عطاء بن السائب ، عن
أبي ميسرة (
بل هم في لبس ) قال : الكفار (
من خلق جديد ) قال : أن يخلقوا من بعد الموت .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
بل هم في لبس ) : أي شك ، والخلق الجديد : البعث بعد الموت ، فصار الناس فيه رجلين : مكذب ، ومصدق .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
في لبس من خلق جديد ) قال : البعث من بعد الموت .
وقوله (
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) يقول - تعالى ذكره - : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدث به نفسه ، فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه (
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) يقول : ونحن أقرب للإنسان من حبل العاتق; والوريد : عرق بين الحلقوم والعلباوين ، والحبل : هو الوريد ، فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) يقول : عرق العنق .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، [ ص: 342 ] وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
حبل الوريد ) قال : الذي يكون في الحلق .
وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله (
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) فقال بعضهم : معناه : نحن أملك به ، وأقرب إليه في المقدرة عليه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك (
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) بالعلم بما توسوس به نفسه .