القول في
تأويل قوله تعالى : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ( 17 )
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( 18 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه ، حين يتلقى الملكان ، وهما المتلقيان (
عن اليمين وعن الشمال قعيد ) وقيل : عنى بالقعيد : الرصد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله ( قعيد ) قال : رصد .
واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد ، وقد ذكر من قبل متلقيان ، فقال بعض
نحويي البصرة : قيل : (
عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ولم يقل : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، أي أحدهما ، ثم استغنى ، كما قال : (
نخرجكم طفلا ) ثم استغنى بالواحد عن الجمع ، كما قال : (
فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) . وقال بعض
نحويي الكوفة ( قعيد ) يريد : قعودا عن اليمين وعن الشمال ، فجعل فعيل جمعا ، كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين ، قال الله
[ ص: 343 ] عز وجل : (
إنا رسول رب العالمين )
لموسى وأخيه ، وقال الشاعر :
ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر
فجعل الرسول للجمع ، فهذا وجه وإن شئت جعلت القعيد واحدا اكتفاء به من صاحبه ، كما قال الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبى فكان وكنت غير غدور
ولم يقل : غدورين .
[ ص: 344 ]
وقوله (
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) يقول - تعالى ذكره - : ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم به ، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عتيد ، يعني حافظا يحفظه ، عتيد معد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : عن اليمين الذي يكتب الحسنات ، وعن الشمال الذي يكتب السيئات .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم التيمي في قوله (
إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : أمسك لعله يتوب .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام قال : ثنا
عمرو ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال ملك عن يمينه ، وآخر عن يساره ، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير ، وأما الذي عن شماله فيكتب الشر .
قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
مجاهد قال : مع كل إنسان ملكان : ملك عن يمينه ، وملك عن يساره; قال : فأما الذي عن يمينه ، فيكتب الخير ، وأما الذي عن يساره فيكتب الشر .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) . . . إلى ( عتيد ) قال : جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل ، وحافظين في النهار ، يحفظان عليه عمله ، ويكتبان أثره .
[ ص: 345 ]
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ، حتى بلغ ( عتيد ) قال الحسن وقتادة (
ما يلفظ من قول ) أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه . وكان عكرمة يقول : إنما ذلك في الخير والشر يكتبان عليه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : تلا
الحسن (
عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : فقال : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك; فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ; وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل بما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول (
وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) . . . حتى بلغ ( حسيبا ) عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : كاتب الحسنات عن يمينه ، وكاتب السيئات عن شماله .
قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان قال : بلغني أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا أذنب قال له : لا تعجل لعله يستغفر .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) قال : جعل معه من يكتب كل ما لفظ به ، وهو معه رقيب .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
عمرو بن الحارث ، عن
هشام الحمصي ، أنه بلغه أن الرجل إذا عمل سيئة قال كاتب اليمين لصاحب الشمال : اكتب ، فيقول : لا بل أنت اكتب ، فيمتنعان ، فينادي مناد : يا صاحب الشمال اكتب ما ترك صاحب اليمين .