الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 346 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ( 19 ) ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ( 20 ) )

وفي قوله ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) وجهان من التأويل ، أحدهما : وجاءت سكرة الموت وهي شدته‌ وغلبته على فهم الإنسان ، كالسكرة من النوم أو الشراب‌ - ‌‌‌بالحق من أمر الآخرة - فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه . والثاني : وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت .

وقد ذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقرأ ( وجاءت سكرة الحق بالموت ) .

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا محمد بن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن واصل ، عن أبي وائل قال : لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي ، قالت عائشة رضي الله عنها هذا ، كما قال الشاعر :


إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر



فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا تقولي ذلك ، ولكنه كما قال الله عز وجل : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) . وقد ذكر أن [ ص: 347 ] ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود . ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان :

أحدهما : وجاءت سكرة الله بالموت ، فيكون الحق هو الله - تعالى ذكره - . والثاني : أن تكون السكرة هي الموت أضيفت إلى نفسها ، كما قيل : ( إن هذا لهو حق اليقين ) . ويكون تأويل الكلام : وجاءت السكرة الحق بالموت .

وقوله ( ذلك ما كنت منه تحيد ) يقول : هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحق هو الشيء الذي كنت تهرب منه ، وعنه تروغ .

وقوله ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) قد تقدم بياننا عن معنى الصور ، وكيف النفخ فيه بذكر اختلاف المختلفين . والذي هو أولى الأقوال عندنا فيه بالصواب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله ( ذلك يوم الوعيد ) يقول : هذا اليوم الذي ينفخ فيه هو يوم الوعيد الذي وعده الله الكفار أن يعذبهم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية