القول في تأويل
قوله تعالى : ( فهو في عيشة راضية ( 21 )
في جنة عالية ( 22 )
[ ص: 586 ] قطوفها دانية ( 23 )
كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ( 24 ) )
يقول تعالى ذكره : فالذي وصفت أمره ، وهو الذي أوتي كتابه بيمينه ، في عيشة مرضية ، أو عيشة فيها الرضا ، فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية ، لأن ذلك مدح للعيشة ، والعرب تفعل ذلك في المدح والذم ، فتقول : هذا ليل نائم ، وسر كاتم ، وماء دافق ، فيوجهون الفعل إليه ، وهو في الأصل مقول لما يراد من المدح أو الذم ، ومن قال ذلك لم يجز له أن يقول للضارب : مضروب ، ولا للمضروب : ضارب ، لأنه لا مدح فيه ولا ذم .
وقوله : (
في جنة عالية ) يقول : في بستان عال رفيع ، و "في" من قوله : (
في جنة ) من صلة عيشة .
وقوله : (
قطوفها دانية ) يقول : ما يقطف من الجنة من ثمارها دان قريب من قاطفه .
وذكر أن الذي يريد ثمرها يتناوله كيف شاء ، قائما وقاعدا ، لا يمنعه منه بعد ، ولا يحول بينه وبينه شوك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، قال : سمعت
البراء يقول في هذه الآية (
قطوفها دانية ) قال : يتناول الرجل من فواكهها وهو نائم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
قطوفها دانية ) : دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك .
وقوله : (
كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) يقول لهم ربهم جل ثناؤه : كلوا معشر من رضيت عنه ، فأدخلته جنتي من ثمارها ، وطيب ما فيها من الأطعمة ، واشربوا من أشربتها ، هنيئا لكم لا تتأذون بما تأكلون ، ولا بما تشربون ، ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول ، (
بما أسلفتم في الأيام الخالية ) يقول : كلوا واشربوا هنيئا : جزاء من الله لكم ، وثوابا بما أسلفتم ، أو على ما أسلفتم ، أي على
[ ص: 587 ] ما قدمتم في دنياكم لآخرتكم من العمل بطاعة الله ، (
في الأيام الخالية ) يقول : في أيام الدنيا التي خلت فمضت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال الله : (
كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) إن أيامكم هذه أيام خالية ، هي أيام فانية ، تؤدي إلى أيام باقية ، فاعملوا في هذه الأيام ، وقدموا فيها خيرا إن استطعتم ، ولا قوة إلا بالله .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
بما أسلفتم في الأيام الخالية ) قال : أيام الدنيا بما عملوا فيها .