القول في تأويل
قوله تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ( 18 )
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ( 19 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : (
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) (
وأن المساجد لله فلا تدعوا ) أيها الناس (
مع الله أحدا ) ولا تشركوا به فيها شيئا ، ولكن أفردوا له التوحيد ، وأخلصوا له العبادة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) كانت
اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
محمود ، عن
سعيد بن جبير (
وأن المساجد لله ) قال : قالت الجن لنبي الله : كيف لنا نأتي المسجد ، ونحن ناءون عنك ، وكيف نشهد معك الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت : (
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال : كانت
اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
عكرمة (
وأن المساجد لله ) قال : المساجد كلها .
وقوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) يقول : وأنه
[ ص: 666 ] لما قام
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول : " لا إله إلا الله" (
كادوا يكونون عليه لبدا ) يقول : كادوا يكونون على
محمد جماعات بعضها فوق بعض ، واحدها لبدة ، وفيها لغتان : كسر اللام : لبدة ، ومن كسرها جمعها لبد; وضم اللام : لبدة ، ومن ضمها جمعها لبد ، بضم اللام ، أو لابد; ومن جمع لابد قال : لبدا ، مثل راكع وركعا ، وقراء الأمصار على كسر اللام من لبد ، غير
ابن محيصن فإنه كان يضمها ، وهما بمعنى واحد ، غير أن القراءة التي عليها قراء الأمصار أحب إلي ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضا لبدة; ومنه قول
عبد مناف بن ربعي الهذلي :
صابوا بستة أبيات وأربعة حتى كأن عليهم جابيا لبدا
والجابي : الجراد الذي يجبي كل شيء يأكله .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : (
كادوا يكونون عليه لبدا ) فقال بعضهم : عني بذلك الجن ، أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) يقول : لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ، ودنوا منه فلم يعلم حتى أتاه الرسول ، فجعل يقرئه : (
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
كادوا يكونون عليه لبدا ) كادوا يركبونه حرصا على ما سمعوا منه من القرآن .
[ ص: 667 ]
قال
أبو جعفر : ومن قال هذا القول جعل قوله : (
وأنه لما قام عبد الله ) مما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون معناه : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ، وأنه لما قام عبد الله يدعوه .
وقال آخرون : بل هذا من قول النفر من الجن ، لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، وائتمامهم به في الركوع والسجود .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن معمر ، قال : ثنا
أبو مسلم ، عن
أبي عوانة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : قول الجن لقومهم : (
لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : لما رأوه يصلي ، وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ، قال : عجبوا من طواعية أصحابه له; قال : فقالوا لقومهم : لما قام عبد الله يدعوه (
كادوا يكونون عليه لبدا ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
زياد ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : كان أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتمون به ، فيركعون بركوعه ، ويسجدون بسجوده ، ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن
ابن عباس وسعيد ، فتح الألف من قوله : "وأنه" عطف بها على قوله : (
وأنه تعالى جد ربنا ) مفتوحة ، وجاز له كسرها على الابتداء .
وقال آخرون : بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجن تظاهروا عليه ، ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ، فأبى الله إلا إتمامه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ، ويظهره على من ناوأه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
لبدا ) قال : لما قام النبي صلى الله عليه وسلم تلبدت الجن والإنس ، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
كادوا يكونون عليه لبدا [ ص: 668 ] ) قال : تظاهروا عليه بعضهم على بعض ، تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله "وأنه" .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : ذلك خبر من الله عن أن رسوله
محمدا صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) عقيب قوله : (
وأن المساجد لله ) وذلك من خبر الله ، فكذلك قوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) وأخرى : أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله : (
فلا تدعوا مع الله أحدا ) فمعلوم أن الذي يتبع ذلك ، الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك ، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
هوذة ، قال : ثنا
عوف ، عن
الحسن ، في قوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) قال : لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا إله إلا الله" ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعا .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى ، قال : ثنا
سفيان ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن رجل ، عن
سعيد بن جبير في قوله : (
كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : تراكبوا عليه .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
سعيد بن جبير (
كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : بعضهم على بعض .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
كادوا يكونون عليه لبدا ) يقول : أعوانا .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : جميعا .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد (
كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : جميعا .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد (
كادوا يكونون عليه لبدا ) واللبد : الشيء الذي بعضه فوق بعض .