القول في
تأويل قوله تعالى : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ( 16 )
إن علينا جمعه وقرآنه ( 17 )
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ( 18 )
ثم إن علينا بيانه ( 19 ) ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : لا تحرك يا
محمد بالقرآن لسانك لتعجل به .
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) فقال بعضهم : قيل له ذلك ، لأنه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به ، يريد حفظه من حبه إياه ، فقيل له : لا تعجل به فإنا سنحفظه عليك .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجل يريد حفظه ، فقال الله تعالى ذكره : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) وقال
ابن عباس : هكذا وحرك شفتيه .
حدثني
عبيد بن إسماعيل الهباري ويونس قالا ثنا
سفيان ، عن
عمرو ، عن
سعيد بن جبير ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجل به يريد حفظه;
[ ص: 66 ] وقال
يونس : يحرك شفتيه ليحفظه ، فأنزل الله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) .
حدثني
عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : ثنا
سفيان ، عن
ابن أبي عائشة ، سمع
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس مثله ، وقال (
لا تحرك به لسانك ) قال : هكذا ، وحرك
سفيان فاه .
حدثنا
سفيان بن وكيع ، قال : ثنا
جرير ، عن
موسى بن أبي عائشة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه
جبريل بالوحي ، كان يحرك به لسانه وشفتيه ، فيشتد عليه ، فكان يعرف ذلك فيه ، فأنزل الله هذه الآية في " لا أقسم بيوم القيامة " (
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
موسى بن أبي عائشة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن ، حرك شفتيه ، فيعرف بذلك ، فحاكاه
سعيد ، فقال : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : لتعجل بأخذه .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
موسى بن أبي عائشة ، قال : سمعت
سعيد بن جبير يقول : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) . قال : كان
جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن ، فيحرك به لسانه ، يستعجل به ، فقال : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
ربعي بن علية ، قال : ثنا
داود بن أبى هند ، عن
الشعبي في هذه الآية : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : كان إذا نزل عليه الوحي عجل يتكلم به من حبه إياه ، فنزل : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضى إليك وحيه ، فإذا قضينا إليك وحيه ، فتكلم به .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
[ ص: 67 ] الضحاك يقول في قوله : (
لا تحرك به لسانك ) قال : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي من القرآن حرك به لسانه مخافة أن ينساه .
وقال آخرون : بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك ، أنه كان يكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه ، فقيل له : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) إن علينا أن نجمعه لك ، ونقرئكه فلا تنسى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه ، فقال الله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) إن علينا أن نجمعه لك ، ( وقرآنه ) : أن نقرئك فلا تنسى .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
لا تحرك به لسانك ) قال : كان يستذكر القرآن مخافة النسيان ، فقال له : كفيناكه يا
محمد .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، قال : ثنا
أبو رجاء ، عن
الحسن ، في قوله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك به لسانه ليستذكره ، فقال الله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) إنا سنحفظه عليك .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
لا تحرك به لسانك لتعجل به ) كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحرك به لسانه مخافة النسيان ، فأنزل الله ما تسمع .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
لا تحرك به لسانك ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيكثر مخافة أن ينسى .
وأشبه القولين بما دل عليه ظاهر التنزيل ، القول الذي ذكر عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، وذلك أن قوله : (
إن علينا جمعه وقرآنه ) ينبئ أنه إنما نهي عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه ، ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبي صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك .
[ ص: 68 ]
وقوله : (
إن علينا جمعه وقرآنه ) يقول تعالى ذكره : إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا
محمد حتى نثبته فيه (
وقرآنه ) يقول : وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
موسى بن أبي عائشة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
إن علينا جمعه ) قال : في صدرك ( وقرآنه ) قال : تقرؤه بعد .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
إن علينا جمعه وقرآنه ) أن نجمعه لك ، ( وقرآنه ) : أن نقرئك فلا تنسى .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
إن علينا جمعه وقرآنه ) يقول : إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك .
وكان آخرون يتأولون قوله : ( وقرآنه ) وتأليفه . وكان معنى الكلام عندهم : إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه ، وتأليفه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
إن علينا جمعه وقرآنه ) يقول حفظه وتأليفه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
جمعه وقرآنه ) قال : حفظه وتأليفه . وكان
قتادة وجه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل : قد قرأت هذه الناقة في بطنها جنينا ، إذا ضمت رحمها على ولد ، كما قال
عمرو بن كلثوم :
ذراعي عيطل أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا
[ ص: 69 ]
يعني بقوله : ( لم تقرأ ) لم تضم رحما على ولد . وأما
ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل : قرأت أقرأ قرآنا وقراءة .
وقوله : (
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) اختلف أهل التأويل في تأويله . فقال بعضهم : تأويله : فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور وابن أبي عائشة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
فإذا قرأناه ) : فإذا أنزلناه إليك (
فاتبع قرآنه ) قال : فاستمع قرآنه .
حدثنا
سفيان بن وكيع ، قال : ثنا
جرير ، عن
موسى بن أبي عائشة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) : فإذا أنزلناه إليك فاستمع له .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إذا تلي عليك فاتبع ما فيه من الشرائع والأحكام .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : إذا تلي عليك فاتبع ما فيه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : اتبع حلاله ، واجتنب حرامه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : فاتبع حلاله ، واجتنب حرامه .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
فاتبع قرآنه ) يقول : اتبع ما فيه .
وقال آخرون : بل معناه : فإذا بيناه فاعمل به .
[ ص: 70 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : اعمل به .
وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : فإذا تلي عليك فاعمل به من الأمر والنهي ، واتبع ما أمرت به فيه ، لأنه قيل له : (
إن علينا جمعه ) في صدرك ( وقرآنه ) ودللنا على أن معنى قوله : ( وقرآنه ) : وقراءته ، فقد بين ذلك عن معنى قوله : (
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ) يقول تعالى ذكره : ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه ، وأحكامه لك مفصلة .
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
ثم إن علينا بيانه ) يقول : حلاله وحرامه ، فذلك بيانه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ثم إن علينا بيانه ) بيان حلاله ، واجتناب حرامه ، ومعصيته وطاعته .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم إن علينا تبيانه بلسانك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
موسى بن أبي عائشة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
ثم إن علينا بيانه ) قال : تبيانه بلسانك .