القول في تأويل قوله تعالى : ( مطاع ثم أمين ( 21 )
وما صاحبكم بمجنون ( 22 )
ولقد رآه بالأفق المبين ( 23 )
وما هو على الغيب بضنين ( 24 )
وما هو بقول شيطان رجيم ( 25 )
فأين تذهبون ( 26 ) ) .
يقول تعالى ذكره : (
مطاع ثم ) يعني
جبريل صلى الله عليه وسلم ، مطاع في السماء تطيعه الملائكة ( أمين ) يقول : أمين عند الله على وحيه ورسالته وغير ذلك مما ائتمنه عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 259 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
عمر بن شبيب المسلي ، عن
إسماعيل بن أبي خالد . عن
أبي صالح : (
مطاع ثم أمين ) قال
جبريل عليه السلام ، أمين على أن يدخل سبعين سرادقا من نور بغير إذن .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17029محمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا
عمر بن شبيب ، قال : ثنا
إسماعيل بن أبي خالد ، قال : لا أعلمه إلا عن
أبي صالح ، مثله .
حدثنا
سليمان بن عمر بن خالد الأقطع ، قال : ثني
أبي عمر بن خالد ، عن
معقل بن عبيد الله الجزري ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران في قوله : (
مطاع ثم أمين ) قال : ذاكم
جبريل عليه السلام .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ) قال : يعني
جبريل .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ) مطاع عند الله (
ثم أمين ) .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
مطاع ثم أمين ) يعني :
جبريل عليه السلام .
وقوله : ( وما صاحبكم بمجنون ) يقول تعالى ذكره : وما صاحبكم أيها الناس
محمد بمجنون فيتكلم عن جنة ، ويهذي هذيان المجانين (
بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
سليمان بن عمرو بن خالد البرقي ، قال : ثنا أبي
عمرو بن خالد ، عن
معقل بن عبد الله الجزري ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران : (
وما صاحبكم بمجنون ) قال : ذاكم
محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( ولقد رآه بالأفق المبين ) يقول تعالى ذكره : ولقد رآه أي
محمد جبريل صلى الله عليه وسلم في صورته بالناحية التي تبين الأشياء ، فترى من قبلها ،
[ ص: 260 ] وذلك من ناحية مطلع الشمس من قبل المشرق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبى نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
بالأفق المبين ) الأعلى . قال : بالأفق من نحو " أجياد " .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
بالأفق المبين ) قال : كنا نحدث أن الأفق حيث تطلع الشمس .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
ولقد رآه بالأفق المبين ) كنا نحدث أنه الأفق الذي يجيء منه النهار .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ولقد رآه بالأفق المبين ) قال : رأى
جبريل بالأفق المبين .
حدثني
عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا
يحيى بن عيسى ، عن
الأعمش ، عن
الوليد بن العيزار ، قال : سمعت
أبا الأحوص يقول في قول الله : (
ولقد رآه بالأفق المبين ) قال : رأى
جبريل له ست مئة جناح في صورته .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
عطاء ، عن
عامر ، قال : ما رأى
جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في صورته إلا مرة واحدة ، وكان يأتيه في صورة رجل يقال له :
دحية ، فأتاه يوم رآه في صورته قد سد الأفق كله ، عليه سندس أخضر معلق الدر ، فذلك قول الله : (
ولقد رآه بالأفق المبين ) وذكر أن هذه الآية في (
إذا الشمس كورت ) (
إنه لقول رسول كريم ) في
جبريل ، إلى قوله : (
وما هو على الغيب بضنين ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( وما هو على الغيب بضنين ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والكوفة ( بضنين ) بالضاد ، بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علمه الله ، وأنزل إليه من كتابه . وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين ( بظنين ) بالظاء ، بمعنى أنه غير متهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء .
ذكر من قال ذلك بالضاد ، وتأوله على ما وصفنا من التأويل من أهل التأويل :
[ ص: 261 ]
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
عاصم ، عن
زر ( وما هو على الغيب بظنين ) قال : الظنين : المتهم . وفي قراءتكم : ( بضنين ) والضنين : البخيل ، والغيب : القرآن .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله الواسطي ، قال : ثنا
مغيرة ، عن
إبراهيم (
وما هو على الغيب بضنين ) ببخيل .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وما هو على الغيب بضنين ) قال : ما يضن عليكم بما يعلم .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وما هو على الغيب بضنين ) قال : إن هذا القرآن غيب ، فأعطاه الله
محمدا ، فبذله وعلمه ودعا إليه ، والله ما ضن به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
عاصم ، عن
زر (
وما هو على الغيب بظنين ) قال : في قراءتنا بمتهم ، ومن قرأها ( بضنين ) يقول : ببخيل .
حدثنا
مهران ، عن
سفيان (
وما هو على الغيب بضنين ) قال : ببخيل .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وما هو على الغيب بضنين ) الغيب : القرآن ، لم يضن به على أحد من الناس أداه وبلغه ، بعث الله به الروح الأمين
جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأدى
جبريل ما استودعه الله إلى
محمد ، وأدى
محمد ما استودعه الله
وجبريل إلى العباد ، ليس أحد منهم ضن ، ولا كتم ، ولا تخرص .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
عطاء ، عن
عامر (
وما هو على الغيب بضنين ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك بالظاء ، وتأوله على ما ذكرنا من أهل التأويل .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
المحاربي ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس ، أنه قرأ : ( بظنين ) قال : ليس بمتهم .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي المعلى ، عن
سعيد بن جبير أنه كان يقرأ هذا الحرف ( وما هو على الغيب بظنين ) فقلت
[ ص: 262 ] nindex.php?page=showalam&ids=15992لسعيد بن جبير : ما الظنين ؟ قال : ليس بمتهم .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي المعلى ، عن
سعيد بن جبير أنه قرأ : ( وما هو على الغيب بظنين ) قلت : وما الظنين ؟ قال : المتهم .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : ( وما هو على الغيب بظنين ) يقول : ليس بمتهم على ما جاء به ، وليس يظن بما أوتي .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله الواسطي ، قال : ثنا
المغيرة ، عن
إبراهيم ( وما هو على الغيب بظنين ) قال : بمتهم .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
عاصم ، عن
زر (
وما هو على الغيب بظنين ) قال : الغيب : القرآن . وفي قراءتنا ( بظنين ) متهم .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( بظنين ) قال : ليس على ما أنزل الله بمتهم .
وقد تأول ذلك بعض أهل العربية أن معناه : وما هو على الغيب بضعيف ، ولكنه محتمل له مطيق ، ووجهه إلى قول العرب للرجل الضعيف : هو ظنون .
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة ، وإن اختلفت قراءتهم به ، وذلك ( بضنين ) بالضاد ، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها . فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك : تأويل من تأوله ، وما
محمد على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس ، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه .
وقوله : ( وما هو بقول شيطان رجيم ) يقول تعالى ذكره : وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون مطرود ، ولكنه كلام الله ووحيه .
وقوله : (
فأين تذهبون ) ؟ يقول تعالى ذكره : فأين تذهبون عن هذا القرآن وتعدلون عنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فأين تذهبون )
[ ص: 263 ] يقول : فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي . وقيل : (
فأين تذهبون ) ولم يقل : فإلى أين تذهبون ، كما يقال : ذهبت الشأم وذهبت السوق . وحكي عن العرب سماعا : انطلق به الغور ، على معنى إلغاء الصفة ، وقد ينشد لبعض
بني عقيل :
تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا وأي الأرض تذهب للصياح
بمعنى : إلى أي الأرض تذهب واستجيز إلغاء الصفة في ذلك للاستعمال .