[ ص: 481 ] [ ص: 482 ] [ ص: 483 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه (
والضحى ( 1 )
والليل إذا سجى ( 2 )
ما ودعك ربك وما قلى ( 3 )
وللآخرة خير لك من الأولى ( 4 )
ولسوف يعطيك ربك فترضى ( 5 )
ألم يجدك يتيما فآوى ( 6 )
ووجدك ضالا فهدى ( 7 )
ووجدك عائلا فأغنى ( 8 ) ) .
أقسم ربنا جل ثناؤه بالضحى ، وهو النهار كله ، وأحسب أنه من قولهم : ضحي فلان للشمس : إذا ظهر منه ; ومنه قوله : (
وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) أي : لا يصيبك فيها الشمس .
وقد ذكرت اختلاف أهل العلم في معناه في قوله : (
والشمس وضحاها ) مع ذكري اختيارنا فيه . وقيل : عني به وقت الضحى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ( والضحى ) ساعة من ساعات النهار .
وقوله : (
والليل إذا سجى ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : والليل إذا أقبل بظلامه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
والليل إذا سجى ) يقول : والليل إذا أقبل .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن ، في قول الله : (
والليل إذا سجى ) قال : إذا لبس الناس ، إذا جاء .
[ ص: 484 ]
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إذا ذهب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس (
والليل إذا سجى ) يقول : إذا ذهب .
وقال آخرون : معناه : إذا استوى وسكن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ; وحدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، جميعا عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
والليل إذا سجى ) قال : إذا استوى .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
والليل إذا سجى ) قال : إذا استوى .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
والليل إذا سجى ) سكن بالخلق .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
والليل إذا سجى ) يعني : استقراره وسكونه .
حدثني
يونس ، قال : أخبرني
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
والليل إذا سجى ) قال : إذا سكن ، قال : ذلك سجوه ، كما يكون سكون البحر سجوه .
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي في ذلك قول من قال معناه : والليل إذا سكن بأهله ، وثبت بظلامه ، كما يقال : بحر ساج : إذا كان ساكنا ; ومنه قول
أعشى بني ثعلبة :
فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم وبحرك ساج ما يواري الدعامصا
[ ص: 485 ]
وقول الراجز :
يا حبذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النساج .
وقوله : (
ما ودعك ربك وما قلى ) وهذا جواب القسم ، ومعناه : ما تركك يا
محمد ربك وما أبغضك . وقيل : (
وما قلى ) ومعناه : وما قلاك ، اكتفاء بفهم السامع لمعناه ؛ إذ كان قد تقدم ذلك قوله : (
ما ودعك ) فعرف بذلك أن المخاطب به نبي الله صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
ما ودعك ربك وما قلى ) يقول : ما تركك ربك ، وما أبغضك .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ما ودعك ربك وما قلى ) قال : ما قلاك ربك وما أبغضك ; قال : والقالي : المبغض .
وذكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيبا من الله
قريشا في قيلهم لرسول الله ، لما أبطأ عليه الوحي : قد ودع
محمدا ربه وقلاه .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني
علي بن عبد الله الدهان ، قال : ثنا
مفضل بن صالح ، عن
الأسود بن قيس العبدي ، عن
ابن عبد الله ، قال : لما أبطأ
جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت امرأة من أهله ، أو من قومه : ودع الشيطان
محمدا ، فأنزل الله عليه : ( والضحى ) . . . إلى قوله : (
ما ودعك ربك وما قلى ) .
قال
أبو جعفر :
ابن عبد الله : هو جندب بن عبد الله البجلي .
حدثني
محمد بن عيسى الدامغاني ، ومحمد بن هارون القطان ، قالا ثنا
[ ص: 486 ] سفيان ، عن
الأسود بن قيس سمع
جندبا البجلي يقول : أبطأ
جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال المشركون : ودع
محمدا ربه ، فأنزل الله : (
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
الأسود بن قيس ، أنه سمع
جندبا البجلي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811177قالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أرى صاحبك إلا قد أبطأ عنك ، فنزلت هذه الآية : ( ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
الأسود بن قيس ، قال سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=193جندب بن عبد الله يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811178إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أرى شيطانك إلا قد تركك ، فنزلت : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثنا
ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا
عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11814سليمان الشيباني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد nindex.php?page=hadith&LINKID=811179أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ما ودعك ربك وما قلى ) قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812685إن جبريل عليه السلام أبطأ عليه بالوحي ، فقال ناس من الناس ، وهم يومئذ بمكة ، ما نرى صاحبك إلا قد قلاك فودعك ، فأنزل الله ما تسمع : ( ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال :
ثنا ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
ما ودعك ربك وما قلى ) قال : أبطأ عليه
جبريل ، فقال المشركون : قد قلاه ربه وودعه ، فأنزل الله : (
ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
ما ودعك ربك وما قلى ) مكث
جبريل عن
محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال المشركون : قد ودعه ربه وقلاه ، فأنزل الله هذه الآية .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
ما ودعك ربك وما قلى ) قال : لما نزل عليه القرآن ، أبطأ عنه
جبريل أياما ، فعير بذلك ، فقال المشركون : ودعه ربه وقلاه ، فأنزل الله :
[ ص: 487 ] (
ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=811864أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجزع جزعا شديدا ، وقالت خديجة : أرى ربك قد قلاك ، مما نرى من جزعك ، قال : فنزلت ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) . . . إلى آخرها .
وقوله : (
وللآخرة خير لك من الأولى ) يقول تعالى ذكره : وللدار الآخرة ، وما أعد الله لك فيها ، خير لك من الدار الدنيا وما فيها . يقول : فلا تحزن على ما فاتك منها ، فإن الذي لك عند الله خير لك منها .
وقوله : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) يقول تعالى ذكره : ولسوف يعطيك يا
محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه ، حتى ترضى .
وقد اختلف أهل العلم في الذي وعده من العطاء ، فقال بعضهم : هو ما حدثني به
nindex.php?page=showalam&ids=12106موسى بن سهل الرملي ، قال : ثنا
عمرو بن هاشم ، قال : سمعت
الأوزاعي يحدث ، عن
إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16629علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812797عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا ، فسر بذلك ، فأنزل الله ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) فأعطاه في الجنة ألف قصر ، في كل قصر ما ينبغي من الأزواج والخدم .
حدثني
محمد بن خلف العسقلاني ، قال : ثني
رواد بن الجراح ، عن
الأوزاعي ، عن
إسماعيل بن عبيد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16629علي بن عبد الله بن عباس ، في قوله : (
ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : ألف قصر من لؤلؤ ، ترابهن المسك ، وفيهن ما يصلحهن .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ، وذلك يوم القيامة .
وقال آخرون في ذلك ما حدثني به
nindex.php?page=showalam&ids=14392عباد بن يعقوب ، قال : ثنا
الحكم بن ظهير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : من رضا
محمد صلى الله عليه وسلم ألا يدخل أحد من أهل بيته النار .
وقوله : (
ألم يجدك يتيما فآوى ) يقول تعالى ذكره معددا على نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم نعمه عنده ، ومذكره آلاءه قبله : ألم يجدك يا
محمد ربك يتيما
[ ص: 488 ] فآوى ، يقول : فجعل لك مأوى تأوي إليه ، ومنزلا تنزله (
ووجدك ضالا فهدى ) ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في ذلك ما حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
ووجدك ضالا ) قال : كان على أمر قومه أربعين عاما . وقيل : عني بذلك : ووجدك في قوم ضلال فهداك .
وقوله : (
ووجدك عائلا فأغنى ) يقول : ووجدك فقيرا فأغناك ، يقال منه : عال فلان يعيل عيلة ، وذلك إذا افتقر ; ومنه قول الشاعر :
فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
يعني : متى يفتقر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن سفيان (
ووجدك عائلا ) فقيرا .
وذكر أنها في مصحف
عبد الله ( ووجدك عديما فآوى ) .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى ) قال : كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يبعثه الله سبحانه وتعالى .