[ ص: 517 ] [ ص: 518 ] [ ص: 519 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه : (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ( 1 )
خلق الإنسان من علق ( 2 )
اقرأ وربك الأكرم ( 3 )
الذي علم بالقلم ( 4 )
علم الإنسان ما لم يعلم ( 5 )
كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 )
أن رآه استغنى ( 7 )
إن إلى ربك الرجعى ( 8 ) ) .
يعني جل ثناؤه بقوله : (
اقرأ باسم ربك )
محمدا صلى الله عليه وسلم . يقول : اقرأ يا
محمد بذكر ربك (
الذي خلق ) ثم بين الذي خلق ، فقال : (
خلق الإنسان من علق ) يعني : من الدم ، وقال : من علق ; والمراد به من علقة ؛ لأنه ذهب إلى الجمع ، كما يقال : شجرة وشجر ، وقصبة وقصب ، وكذلك علقة وعلق . وإنما قال : من علق والإنسان في لفظ واحد ، لأنه في معنى جمع ، وإن كان في لفظ واحد ، فلذلك قيل : من علق .
وقوله : (
اقرأ وربك الأكرم ) يقول : اقرأ يا
محمد وربك الأكرم (
الذي علم بالقلم ) خلقه للكتابة والخط .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) قرأ حتى بلغ (
علم بالقلم ) قال :
القلم : نعمة من الله عظيمة ، لولا ذلك لم يقم ، ولم يصلح عيش . وقيل : إن هذه أول سورة نزلت في القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أحمد بن عثمان البصري ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير ، قال : ثنا أبي ،
[ ص: 520 ] قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن راشد يقول عن
الزهري ، عن
عروة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811181عن عائشة أنها قالت كان أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ; كانت تجيء مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان بغار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد ، قبل أن يرجع إلى أهله ، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها ، حتى فجأه الحق ، فأتاه ، فقال : يا محمد أنت رسول الله ، قال رسول الله : " فجثوت لركبتي وأنا قائم ، ثم رجعت ترجف بوادري ، ثم دخلت على خديجة ، فقلت : زملوني زملوني ، حتى ذهب عني الروع ، ثم أتاني فقال : يا محمد ، أنا جبريل وأنت رسول الله ، قال : فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل فتمثل إلي حين هممت بذلك ، فقال : يا محمد ، أنا جبريل ، وأنت رسول الله ، ثم قال : اقرأ ، قلت : ما أقرأ ؟ قال : فأخذني فغطني ثلاث مرات ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) فقرأت ، فأتيت خديجة ، فقلت : لقد أشفقت على نفسي ، فأخبرتها خبري ، فقالت : أبشر ، فوالله لا يخزيك الله أبدا ، ووالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتؤدي الأمانة ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد ، قالت : اسمع من ابن أخيك ، فسألني ، فأخبرته خبري ، فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم ، ليتني فيها جذع ، ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك ، قلت : أومخرجي هم ؟ قال : نعم ، إنه لم يجئ رجل قط بما جئت به ، إلا عودي ، ولئن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم كان أول ما نزل علي من القرآن بعد ( اقرأ ) : ( ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون ) و ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) ( والضحى والليل إذا سجى ) .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
يونس ، عن
ابن شهاب ، قال : ثني
عروة أن
عائشة أخبرته ، وذكر نحوه غير أنه لم يقل : " ثم كان أول ما أنزل علي من القرآن . . . الكلام إلى آخره .
حدثنا
ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا
عبد الواحد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11814سليمان الشيباني ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811866أتى جبريل محمدا ، فقال : يا محمد اقرأ ، فقال : [ ص: 521 ] "وما أقرأ ؟ " قال : فضمه ، ثم قال : يا محمد اقرأ ، قال : "وما أقرأ ؟ " قال : ( باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ ( علم الإنسان ما لم يعلم ) . قال : فجاء إلى خديجة ، فقال : " يا خديجة ما أراه إلا قد عرض لي " ، قالت : كلا والله ما كان ربك يفعل ذلك بك ، وما أتيت فاحشة قط ; قال : فأتت خديجة ورقة فأخبرته الخبر ، قال : لئن كنت صادقة إن زوجك لنبي ، وليلقين من أمته شدة ، ولئن أدركته لأومنن به ، قال : ثم أبطأ عليه جبريل ، فقالت له خديجة : ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) .
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : ثنا
سفيان ، عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
عائشة - قال
إبراهيم : قال
سفيان : حفظه لنا ابن إسحاق - إن
أول شيء أنزل من القرآن : (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
حدثنا
عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري ، قال : ثنا
سفيان ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
الزهري عن
عروة ، عن
عائشة ، أن أول سورة أنزلت من القرآن (
اقرأ باسم ربك ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
ابن أبي عدي ، عن
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، قال : أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
قال : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير يقول : فذكر نحوه .
حدثنا
خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا
النضر بن شميل ، قال : ثنا
قرة ، قال : أخبرنا
أبو رجاء العطاردي ، قال : كنا في
المسجد الجامع ، ومقرئنا
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري ، كأني أنظر إليه بين بردين أبيضين ; قال
أبو رجاء : عنه أخذت هذه السورة : (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) وكانت أول سورة نزلت على
محمد .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، قال : ثنا
محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، قال : أول سورة نزلت من القرآن (
اقرأ باسم ربك ) .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى nindex.php?page=showalam&ids=16349وعبد الرحمن بن مهدي ، قالا : ثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : أول ما نزل من القرآن : (
اقرأ باسم ربك )
[ ص: 522 ] وزاد
ابن مهدي : و ( ن والقلم ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير يقول : أول ما أنزل من القرآن (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
قال ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
قرة بن خالد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12004أبي رجاء العطاردي ، قال : إني لأنظر إلى
أبي موسى وهو يقرأ القرآن في
مسجد البصرة ، وعليه بردان أبيضان ، فأنا أخذت منه (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ، وهي أول سورة أنزلت على
محمد صلى الله عليه وسلم .
قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : إن أول سورة أنزلت : (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) . ثم ( ن والقلم ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
وقوله : ( علم الإنسان ما لم يعلم ) يقول تعالى ذكره : علم الإنسان الخط بالقلم ، ولم يكن يعلمه مع أشياء غير ذلك ، مما علمه ولم يكن يعلمه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
علم الإنسان ما لم يعلم ) قال : علم الإنسان خطا بالقلم .
وقوله : ( كلا ) يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان أن ينعم عليه ربه بتسويته خلقه ، وتعليمه ما لم يكن يعلم ، وإنعامه بما لا كفء له ، ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك ، ويطغى عليه ، أن رآه استغنى .
وقوله : (
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) يقول : إن الإنسان ليتجاوز حده ، ويستكبر على ربه ، فيكفر به ؛ لأن رأى نفسه استغنت . وقيل : إن رآه استغنى لحاجة " رأى " إلى اسم وخبر ، وكذلك تفعل العرب في كل فعل اقتضى الاسم والفعل ، إذا أوقعه المخبر عن نفسه على نفسه ، مكنيا عنها فيقول : متى تراك خارجا ؟ ومتى تحسبك سائرا ؟ فإذا كان الفعل لا يقتضي إلا منصوبا واحدا ، جعلوا موضع المكنى نفسه ، فقالوا : قتلت نفسك ، ولم يقولوا : قتلتك ولا قتلته .
وقوله : (
إن إلى ربك الرجعى ) : يقول : إن إلى ربك يا
محمد مرجعه ، فذائق من
[ ص: 523 ] أليم عقابه ما لا قبل له به .