القول في تأويل قوله تعالى (
ويهلك الحرث والنسل )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في وجه"إهلاك" هذا المنافق ، الذي وصفه الله بما وصفه به من صفة"إهلاك الحرث والنسل" .
[ ص: 240 ]
فقال بعضهم : كان ذلك منه إحراقا لزرع قوم من المسلمين وعقرا لحمرهم .
3984 - حدثني بذلك
موسى بن هارون ، قال : حدثني
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
وقال آخرون بما : -
3985 - حدثنا به
أبو كريب ، قال : حدثنا
عثام ، قال : حدثنا
النضر بن عربي ، عن
مجاهد : "
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل " الآية . قال : إذا تولى سعى في الأرض بالعدوان والظلم ، فيحبس الله بذلك القطر ، فيهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . قال : ثم قرأ
مجاهد : (
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) [ الروم : 41 ] قال : ثم قال : أما والله ما هو بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهو"بحر" .
والذي قاله
مجاهد ، وإن كان مذهبا من التأويل تحتمله الآية ، فإن الذي هو أشبه بظاهر التنزيل من التأويل ما ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، فلذلك اخترناه
وأما"الحرث" فإنه الزرع ، والنسل : العقب والولد .
"وإهلاكه الزرع" إحراقه . وقد يجوز أن يكون كان كما قال
مجاهد باحتباس القطر من أجل معصيته ربه وسعيه بالإفساد في الأرض . وقد يحتمل أن يكون كان بقتله القوام به والمتعاهدين له حتى فسد فهلك . وكذلك جائز في معنى : " إهلاكه النسل" : أن يكون كان بقتله أمهاته أو آباءه التي منها يكون النسل ، فيكون في
[ ص: 241 ] قتله الآباء والأمهات انقطاع نسلهما . وجائز أن يكون كما قال
مجاهد ، غير أن ذلك وإن كان تحتمله الآية ، فالذي هو أولى بظاهرها ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي غير أن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ذكر أن الذي نزلت فيه هذه الآية إنما نزلت في قتله حمر القوم من المسلمين وإحراقه زرعا لهم . وذلك وإن كان جائزا أن يكون كذلك ، فغير فاسد أن تكون الآية نزلت فيه ، والمراد بها كل من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي لا يحل قتله بحال ، والذي يحل قتله في بعض الأحوال - إذا قتله بغير حق ، بل ذلك كذلك عندي ؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا دون شيء بل عمه .
وبالذي قلنا في عموم ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
3986 - حدثنا
ابن بشار ، قال : حدثنا
يحيى وعبد الرحمن ، قالا حدثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي أنه سأل
ابن عباس : "
ويهلك الحرث والنسل " ، قال : نسل كل دابة .
3987 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
ابن عطية ، قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي ، أنه سأل
ابن عباس : قال : قلت أرأيت قوله : "
الحرث والنسل "؟ قال : الحرث حرثكم ، والنسل : نسل كل دابة .
3988 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي ، قال : سألت
ابن عباس عن"
الحرث والنسل " ، فقال : الحرث : مما تحرثون ، والنسل : نسل كل دابة .
3989 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
حكام ، عن
عمرو ، عن
مطرف ، عن
أبي إسحاق ، عن رجل من
تميم ، عن
ابن عباس ، مثله .
[ ص: 242 ]
3990 - حدثني
محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
ويهلك الحرث والنسل " ، فنسل كل دابة ، والناس أيضا .
3991 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، قال : حدثني
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
ويهلك الحرث " ، قال : نبات الأرض ، " والنسل " من كل دابة تمشي من الحيوان من الناس والدواب .
3992 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
ويهلك الحرث " ، قال : نبات الأرض ، " والنسل " : نسل كل شيء .
3993 - حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا
أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا
هشيم ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، قال : الحرث النبات ، والنسل : نسل كل دابة .
3994 - حدثني عن
عمار بن
الحسن ، قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : "
ويهلك الحرث " ، قال : " الحرث " الذي يحرثه الناس : نبات الأرض ، " والنسل " نسل كل دابة .
3995 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قلت
لعطاء : "
ويهلك الحرث والنسل " ، قال : الحرث : الزرع ، والنسل من الناس والأنعام ، قال : يقتل نسل الناس والأنعام قال : وقال
مجاهد : يبتغي في الأرض هلاك الحرث - نبات الأرض - والنسل من كل شيء من الحيوان .
3996 - حدثني
يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا
يزيد ، قال : أخبرنا
جويبر ، عن
الضحاك في قوله : "
ويهلك الحرث والنسل " ، قال : الحرث : الأصل ، والنسل : كل دابة والناس منهم .
[ ص: 243 ]
3997 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12613ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا
عمرو بن أبي سلمة ، قال : سئل
سعيد بن عبد العزيز عن"فساد الحرث والنسل" وما هما : أي حرث ، وأي نسل ؟ قال
سعيد : قال
مكحول : الحرث : ما تحرثون ، وأما النسل : فنسل كل شيء .
قال
أبو جعفر : وقد قرأ بعض القرأة : "ويهلك الحرث والنسل" برفع "يهلك" ، على معنى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ، ويهلك الحرث والنسل ، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ، والله لا يحب الفساد فيرد "ويهلك" على "ويشهد الله" عطفا به عليه .
وذلك قراءة عندي غير جائزة ، وإن كان لها مخرج في العربية ، لمخالفتها لما عليه الحجة مجمعة من القراءة في ذلك ، قراءة" ويهلك الحرث والنسل" ، وأن ذلك في قراءة
أبي بن كعب ومصحفه - فيما ذكر لنا : "ليفسد فيها وليهلك الحرث والنسل" ، وذلك من أدل الدليل على تصحيح قراءة من قرأ ذلك" ويهلك" بالنصب ، عطفا به على : " ليفسد فيها" .