[ ص: 456 ] القول في تأويل قوله تعالى ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "
للذين يؤلون " ، للذين يقسمون ألية " والألية " الحلف ، كما : -
4478 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
مسلمة بن علقمة قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في قوله : "
للذين يؤلون " ، يحلفون .
يقال : " آلى فلان يؤلي إيلاء وألية " ، كما قال الشاعر :
كفينا من تغيب في تراب وأحنثنا ألية مقسمينا
ويقال : " ألوة وألوة " ، كما قال الراجز :
يا ألوة ما ألوة ما ألوتي
وقد حكي عنهم أيضا أنهم يقولون : " إلوة " مكسورة الألف .
" والتربص " : النظر والتوقف .
ومعنى الكلام : للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر ، فترك ذكر " أن يعتزلوا " ، اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام عليه .
واختلف أهل التأويل في
صفة اليمين التي يكون بها الرجل موليا من امرأته .
[ ص: 457 ]
فقال بعضهم : اليمين التي يكون بها الرجل موليا من امرأته : أن يحلف عليها في - حال غضب على وجه الضرار - أن لا يجامعها في فرجها ، فأما إن حلف على غير وجه الإضرار ، وعلى غير غضب ، فليس هو موليا منها .
ذكر من قال ذلك :
4479 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري قال : حدثنا
أبو الأحوص عن
سماك عن
حريث بن عميرة عن أم عطية قالت ، قال جبير : أرضعي ابن أخي مع ابنك! فقالت : ما أستطيع أن أرضع اثنين! فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه . فلما فطمته مر به على المجلس ، فقال له القوم : حسنا ما غذوتموه! قال جبير : إني حلفت أن لا أقربها حتى تفطمه! فقال له القوم : هذا إيلاء!! فأتى
عليا فاستفتاه ، فقال : إن كنت فعلت ذلك غضبا فلا تصلح لك امرأتك ، وإلا فهي امرأتك .
4480 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة عن
سماك أنه سمع
عطية بن جبير قال : توفيت أم صبي نسيبة لي
[ ص: 458 ] فكانت امرأة أبي ترضعه ، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه . فلما مضت أربعة أشهر قيل له : قد بانت منك! - وأحسب ، شك
أبو جعفر قال : - فأتى
عليا يستفتيه فقال : إن كنت قلت ذلك غضبا فلا امرأة لك ، وإلا فهي امرأتك .
4481 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
أبو داود قال : حدثنا
شعبة قال : أخبرني
سماك قال : سمعت
عطية بن جبير - يذكر نحوه عن
علي .
4482 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16503عبد الوهاب بن عبد المجيد قال : حدثنا
داود عن
سماك عن رجل من
بني عجل عن
أبي عطية : أنه توفي أخوه وترك ابنا له صغيرا ، فقال
أبو عطية لامرأته : أرضعيه! فقالت : إنى أخشى أن تغيلهما ، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمهما ، ففعل حتى فطمتهما . فخرج ابن أخي أبي عطية إلى المجلس ، فقالوا : لحسن ما غذا أبو عطية ابن أخيه! قال : كلا! زعمت أم عطية أني أغيلهما ، فحلفت أن لا أقربها حتى تفطمهما . فقالوا له : قد حرمت عليك امرأتك ! فذكرت ذلك
لعلي رضي الله عنه ، فقال علي : إنما أردت الخير ، وإنما الإيلاء في الغضب .
4483 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
داود عن
سماك عن
أبي عطية : أن أخاه توفي - فذكر نحوه .
4484 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب : أن رجلا هلك أخوه فقال لامرأته : أرضعي
[ ص: 459 ] ابن أخي . فقالت : أخاف أن تقع علي ! فحلف أن لا يمسها حتى تفطم . فأمسك عنها ، حتى إذا فطمته أخرج الغلام إلى قومه ، فقالوا : لقد أحسنت غذاءه! فذكر لهم شأنه ، فذكروا امرأته ، قال : فذهب إلى
علي - فاستحلفه بالله : " ما أردت بذلك؟ " ، يعني إيلاء ، قال : فردها عليه .
4485 - حدثنا
علي بن عبد الأعلى قال : حدثنا
المحاربي عن
أشعث بن سوار عن
سماك عن
عطية بن أبي عطية قال : توفي أخ لي وترك يتيما له رضيعا ، وكنت رجلا معسرا ، لم يكن بيدي ما أسترضع له . قال : فقالت لي امرأتي ، - وكان لي منها ابن ترضعه - : إن كفيتني نفسك كفيتكهما ! فقلت : وكيف أكفيك نفسي؟ قالت : لا تقربني . فقلت : والله لا أقربك حتى تفطميهما . قال : ففطمتهما وخرجا على القوم ، فقالوا : ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما! قال : فقصصت عليهم القصة ، فقالوا : ما نراك إلا آليت منها وبانت منك! قال : فأتيت
عليا فقصصت عليه القصة ، فقال : إنما الإيلاء ما أريد به الإيلاء .
4486 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13853محمد بن بكر البرساني قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة عن
جابر بن زيد عن
ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب .
4487 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار عن
عطاء عن
ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب .
4488 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
ابن وكيع عن
أبي فزارة عن
يزيد بن الأصم عن
ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب .
[ ص: 460 ]
4489 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : حدثنا
داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب عن
أبي عطية عن
علي قال : لا إيلاء إلا بغضب .
4490 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الأعلى عن
سعيد عن
قتادة أن
عليا قال : إذا قال الرجل لامرأته وهي ترضع : " والله لا قربتك حتى تفطمي ولدي " ، يريد به صلاح ولده ، قال : ليس عليه إيلاء .
4491 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
إسحاق بن منصور السلولي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17023محمد بن مسلم الطائفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار عن
سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى
علي فقال : إني قلت لامرأتي لا أقربها سنتين . قال : قد آليت منها . قال : إنما قلت لأنها ترضع! قال : فلا إذا .
4492 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب عن
أبي عطية عن
علي أنه كان يقول : إنما الإيلاء ما كان في غضب ، يقول الرجل : " والله لا أقربك ، والله لا أمسك ! " . فأما ما كان في إصلاح من أمر الرضاع وغيره ، فإنه لا يكون إيلاء ، ولا تبين منه .
4493 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - قال : حدثنا
حماد بن زيد عن
حفص عن
الحسن : أنه سئل عنها فقال : لا والله ، ما هو بإيلاء .
[ ص: 461 ]
4494 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
بشر بن منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عطاء قال : إذا حلف من أجل الرضاع فليس بإيلاء .
4495 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
الليث قال : حدثني
يونس قال : سألت
ابن شهاب عن الرجل يقول : والله لا أقرب امرأتي حتى تفطم ولدي! قال : لا أعلم الإيلاء يكون إلا بحلف بالله ، فيما يريد المرء أن يضار به امرأته من اعتزالها ، ولا نعلم فريضة الإيلاء إلا على أولئك ، فلا ترى أن هذا الذي أقسم بالاعتزال لامرأته حتى تفطم ولده ، أقسم إلا على أمر يتحرى به فيه الخير ، فلا نرى وجب على هذا ما وجب على المولي الذي يولي في الغضب .
وقال آخرون : سواء إذا حلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها كان حلفه في غضب أو غير غضب ، كل ذلك إيلاء .
ذكر من قال ذلك :
4496 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
ابن مهدي قال : حدثنا
سفيان عن
مغيرة عن
إبراهيم - في رجل قال لامرأته : " إن غشيتك حتى تفطمي ولدك فأنت طالق " ، فتركها أربعة أشهر . قال : هو إيلاء .
4497 - حدثنا
محمد بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
سعيد عن
أبي معشر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي قال : كل شيء يحول بينه وبين غشيانها ، فتركها حتى تمضي أربعة أشهر ، فهو داخل عليه .
4498 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15678حبان بن موسى قال : حدثنا
ابن المبارك قال : أخبرنا
أبو عوانة عن
المغيرة عن
القعقاع قال : سألت
الحسن عن رجل ترضع امرأته صبيا ، فحلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها ، فقال : ما أرى هذا بغضب ، وإنما الإيلاء في الغضب قال : وقال
ابن سيرين : ما أدري ما هذا
[ ص: 462 ] الذي يحدثون؟! إنما قال الله : "
للذين يؤلون من نسائهم " إلى "
فإن الله سميع عليم " ، إذا مضت أربعة أشهر ، فليخطبها إن رغب فيها .
4499 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
ابن مهدي قال : حدثنا
سفيان عن
منصور عن
إبراهيم - في رجل حلف أن لا يكلم امرأته - قال : كانوا يرون الإيلاء في الجماع .
4500 - حدثنا
أبو السائب قال : حدثنا
أبو معاوية عن
الأعمش عن
إبراهيم قال : قال : كل يمين منعت جماعا حتى تمضي أربعة أشهر ، فهي إيلاء .
4501 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : سمعت
إسماعيل وأشعث عن
الشعبي مثله .
4502 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير عن
مغيرة عن
إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي قالا : كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء .
وقال آخرون : كل يمين حلف بها الرجل في مساءة امرأته ، فهي إيلاء منه منها ، على الجماع حلف أو غيره ، في رضا حلف أو سخط .
ذكر من قال ذلك :
4503 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
خصيف عن
الشعبي قال : كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء ، إذا قال : " والله لأغضبنك ، والله لأسوأنك ، والله لأضربنك " ، وأشباه هذا .
[ ص: 463 ]
4504 - حدثني
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثني أبي
وشعيب عن
الليث عن
يزيد بن أبي حبيب عن
ابن أبي ذئب العامري : أن رجلا من أهله قال لامرأته : " إن كلمتك سنة فأنت طالق " ، واستفتى
القاسم وسالما فقالا إن كلمتها قبل سنة فهي طالق ، وإن لم تكلمها فهي طالق إذا مضت أربعة أشهر .
4505 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان قال : سمعت
حمادا قال قلت
لإبراهيم :
الإيلاء : أن يحلف أن لا يجامعها ولا يكلمها ولا يجمع رأسه برأسها ، أو ليغضبنها ، أو ليحرمنها ، أو ليسوأنها؟ قال : نعم .
4506 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة قال : سألت
الحكم عن رجل قال لامرأته : " والله لأغيظنك " ! فتركها أربعة أشهر ، قال : هو إيلاء .
4507 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير قال : سمعت
شعبة قال : سألت
الحكم فذكر مثله .
4508 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
الليث قال : حدثنا
يونس قال : قال
ابن شهاب حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أنه إن حلف رجل أن لا يكلم امرأته يوما أو شهرا ، قال : فإنا نرى ذلك يكون إيلاء . وقال : إلا أن يكون حلف أن لا يكلمها ، فكان يمسها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء .
والفيء : أن يفيء إلى امرأته فيكلمها أو يمسها . فمن فعل ذلك ، قبل أن تمضي الأربعة أشهر ، فقد فاء . ومن فاء بعد أربعة أشهر وهي في عدتها ، فقد فاء وملك امرأته ، غير أنه مضت لها تطليقة .
[ ص: 464 ]
قال
أبو جعفر : وعلة من قال : " إنما الإيلاء في الغضب والضرار " : أن الله تعالى ذكره إنما جعل الأجل الذي أجل في الإيلاء مخرجا للمرأة من عضل الرجل وضراره إياها ، فيما لها عليه من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف . وإذا لم يكن الرجل لها عاضلا ولا مضارا بيمينه وحلفه على ترك جماعها ، بل كان طالبا بذلك رضاها ، وقاضيا بذلك حاجتها ، لم يكن بيمينه تلك موليا ، لأنه لا معنى هنالك لحق المرأة به من قبل بعلها مساءة وسوء عشرة ، فيجعل الأجل - الذي جعل للمولي - لها مخرجا منه .
وأما علة من قال : " الإيلاء في حال الغضب والرضا سواء " ، عموم الآية ، وأن الله تعالى ذكره لم يخصص من قوله : "
للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " بعضا دون بعض ، بل عم به كل مول ومقسم . فكل مقسم على امرأته أن لا يغشاها مدة هي أكثر من الأجل الذي جعل الله له تربصه ، فمول من امرأته عند بعضهم . وعند بعضهم : هو مول ، وإن كانت مدة يمينه الأجل الذي جعل له تربصه .
وأما علة من قال بقول
الشعبي والقاسم وسالم : أن الله تعالى ذكره جعل الأجل الذي حده للمولي مخرجا للمرأة من سوء عشرة بعلها إياها وضراره بها . وليست اليمين عليها بألا يجامعها ولا يقربها ، بأولى بأن تكون من معاني سوء العشرة والضرار ، من الحلف عليها أن لا يكلمها أو يسوءها أو يغيظها . لأن كل ذلك ضرر عليها وسوء عشرة لها .
[ ص: 465 ]
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك بالصواب ، قول من قال : كل يمين منعت المقسم الجماع أكثر من المدة التي جعل الله للمولي تربصها قائلا في غضب كان ذلك أو رضا . وذلك للعلة التي ذكرناها قبل لقائلي ذلك .
وقد أتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا ( كتاب اللطيف ) بما فيه الكفاية ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .