القول في تأويل
قوله ( وأن تعفوا أقرب للتقوى )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن خوطب بقوله : "
وأن تعفوا أقرب للتقوى " .
فقال بعضهم : خوطب بذلك الرجال والنساء .
ذكر من قال ذلك :
5361 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج يحدث ، عن
عطاء بن أبي رباح ، عن
ابن عباس : "
وأن تعفوا أقرب للتقوى " قال : أقربهما للتقوى الذي يعفو .
[ ص: 163 ] 5362 - حدثنا
ابن البرقي قال : حدثنا
عمرو بن أبي سلمة ، عن
سعيد بن عبد العزيز قال : سمعت تفسير هذه الآية : "
وأن تعفوا أقرب للتقوى " قال : يعفون جميعا .
فتأويل الآية على هذا القول : وأن يعفوا ، أيها الناس ، بعضكم عما وجب له قبل صاحبه من الصداق قبل الافتراق عند الطلاق ، أقرب له إلى تقوى الله .
وقال آخرون : بل الذي خوطبوا بذلك أزواج المطلقات .
ذكر من قال ذلك :
5363 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
الشعبي : "
وأن تعفوا أقرب للتقوى " : وأن يعفو هو أقرب للتقوى .
فتأويل ذلك على هذا القول : وأن تعفوا أيها المفارقون أزواجهم ، فتتركوا لهن ما وجب لكم الرجوع به عليهن من الصداق الذي سقتموه إليهن ، أو تتموا لهن - بإعطائكم إياهن الصداق الذي كنتم سميتم لهن في عقدة النكاح إن لم تكونوا سقتموه إليهن أقرب لكم إلى تقوى الله .
قال
أبو جعفر : والذي هو أولى القولين بتأويل الآية عندي في ذلك . ما قاله
ابن عباس ، وهو أن معنى ذلك : وأن يعفو بعضكم لبعض أيها الأزواج والزوجات ، بعد فراق بعضكم بعضا عما وجب لبعضكم قبل بعض ، فيتركه له إن كان قد بقي له قبله . وإن لم يكن بقي له ، فبأن يوفيه بتمامه أقرب لكم إلى تقوى الله .
[ ص: 164 ] فإن قال قائل : وما في الصفح عن ذلك من القرب من تقوى الله ، فيقال للصافح العافي عما وجب له قبل صاحبه : فعلك ما فعلت أقرب لك إلى تقوى الله؟ قيل له : الذي في ذلك من قربه من تقوى الله ، مسارعته في عفوه ذلك إلى ما ندبه الله إليه ، ودعاه وحضه عليه . فكان فعله ذلك - إذا فعله ابتغاء مرضاة الله ، وإيثار ما ندبه إليه على هوى نفسه - معلوما به ، إذ كان مؤثرا فعل ما ندبه إليه مما لم يفرضه عليه على هوى نفسه ، أنه لما فرضه عليه وأوجبه أشد إيثارا ، ولما نهاه أشد تجنبا . وذلك هو قربه من التقوى .