القول في
تأويل قوله ( تعرفهم بسيماهم )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : "تعرفهم " يا
محمد " بسيماهم " يعني بعلامتهم وآثارهم ، من قول الله - عز وجل - : (
سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) [ سورة الفتح : 29 ] هذه لغة
قريش . ومن العرب من يقول : " بسيمائهم " فيمدها .
وأما
ثقيف وبعض
أسد فإنهم يقولون : " بسيميائهم " ; ومن ذلك قول الشاعر : .
[ ص: 595 ] غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياء لا تشق على البصر
[ ص: 596 ]
وقد اختلف أهل التأويل في " السيما " التي أخبر الله - جل ثناؤه - أنها لهؤلاء الفقراء الذين وصف صفتهم ، وأنهم يعرفون بها .
فقال بعضهم : هو التخشع والتواضع .
ذكر من قال ذلك :
6222 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
تعرفهم بسيماهم " قال : التخشع .
6223 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
6224 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
ليث قال : كان
مجاهد يقول : هو التخشع .
وقال آخرون يعني بذلك : تعرفهم بسيما الفقر وجهد الحاجة في وجوههم .
ذكر من قال ذلك :
6225 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
تعرفهم بسيماهم " بسيما الفقر عليهم .
6226 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
تعرفهم بسيماهم " يقول : تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة .
وقال آخرون : معنى ذلك : تعرفهم برثاثة ثيابهم . وقالوا : الجوع خفي .
ذكر من قال ذلك :
6227 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد :
[ ص: 597 ] "
تعرفهم بسيماهم " قال : السيما : رثاثة ثيابهم ، والجوع خفي على الناس ، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها [ أن ] تخفى على الناس .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - عز وجل - أخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم . وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعيان ، فيعرفهم وأصحابه بها ، كما يدرك المريض فيعلم أنه مريض بالمعاينة .
وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشعا منهم ، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضر ، وأن تكون كانت رثاثة الثياب ، وأن تكون كانت جميع ذلك ، وإنما تدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الإنسان ، ويعلم أنها من الحاجة والضر بالمعاينة دون الوصف . وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض نظير آثار المجهود من الفاقة والحاجة ، وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثياب الرثة ، فيتزيى بزي أهل الحاجة ، فلا يكون في شيء من ذلك دلالة بالصفة على أن الموصوف به مختل ذو فاقة . وإنما يدرى ذلك عند المعاينة بسيماه ، كما وصف الله نظير ما يعرف أنه مريض عند المعاينة دون وصفه بصفته .