قوله : ( باب يرد المصلي من مر بين يديه ) أي سواء كان آدميا أم غيره .
قوله : ( ورد ابن عمر في التشهد ) أي رد المار بين يديه في حال التشهد ، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ، وعندهما أن المار المذكور هو nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار .
قوله : ( وفي الكعبة ) قال ابن قرقول : وقع في بعض الروايات " وفي الركعة " وهو أشبه بالمعنى .
قلت : ورواية الجمهور متجهة وتخصيص الكعبة بالذكر لئلا يتخيل أنه يغتفر فيها المرور لكونها محل المزاحمة . وقد وصل الأثر المذكور بذكر الكعبة فيه أبو نعيم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الصلاة له من طريق صالح بن كيسان قال " رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة فلا يدع أحدا يمر بين يديه يبادره " قال : أي يرده .
قوله : ( إن أبى ) أي المار ( إلا أن يقاتله ) أي المصلي ( قاتله ) كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وهو على سبيل المبالغة . nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني ( إلا أن تقاتله ) بصيغة المخاطبة ( فقاتله ) بصيغة الأمر . وهذه الجملة الأخيرة من كلام ابن عمر أيضا ، وقد وصلها عبد الرزاق ولفظه عن ابن عمر قال " لا تدع أحدا يمر بين يديك وأنت تصلي ، فإن أبى إلا أن تقاتله فقاتله " وهذا موافق لسياق الكشميهني .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس ) هو ابن عبيد ، وقد قرن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري روايته برواية nindex.php?page=showalam&ids=16034سليمان بن المغيرة ، وتبين من إيراده أن القصة المذكورة في رواية سليمان لا في رواية يونس ، ولفظ المتن الذي ساقه هنا هو لفظ سليمان أيضا [ ص: 694 ] لا لفظ يونس ، وإنما ظهر لنا ذلك من المصنف حيث ساق الحديث في كتاب بدء الخلق بالإسناد المذكور الذي ساقه هنا من رواية يونس بعينه ، ولفظ المتن مغاير للفظ الذي ساقه هنا ، وليس فيه تقييد الدفع بما إذا كان المصلي يصلي إلى سترة . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي أن سليم بن حيان تابع يونس عن حميد على عدم التقييد .
قلت : والمطلق في هذا محمول على المقيد ; لأن الذي يصلي إلى غير سترة مقصر بتركها ولا سيما إن صلى في مشارع المشاة وقد روى عبد الرزاق عن معمر التفرقة بين من يصلي إلى سترة وإلى غير سترة . وفي الروضة تبعا لأصلها : ولو صلى إلى غير سترة أو كانت وتباعد منها فالأصح أنه ليس له الدفع لتقصيره ولا يحرم المرور حينئذ بين يديه >[1] ولكن الأولى تركه .
( تنبيه ) : ذكر أبو مسعود وغيره أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يخرج nindex.php?page=showalam&ids=16034لسليمان بن المغيرة شيئا موصولا إلا هذا الحديث .
قوله : ( فأراد شاب من بني أبي معيط ) وقع في كتاب الصلاة لأبي نعيم أنه nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخرجه عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال " بينما أبو سعيد قائم يصلي في المسجد فأقبل nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه ، فدفعه ، فأبى إلا أن يمر بين يديه فدفعه " هذا آخر ما أورده من هذه القصة .
وفي تفسير الذي وقع في الصحيح بأنه الوليد هذا نظر ; لأن فيه أنه دخل على مروان . زاد nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " ومروان يومئذ على المدينة " ا هـ . ومروان إنما كان أميرا على المدينة في خلافة معاوية ، ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة ; لأنه لما قتل عثمان تحول إلى الجزيرة فسكنها حتى مات في خلافة معاوية ، ولم يحضر شيئا من الحروب التي كانت بين علي ومن خالفه . وأيضا فلم يكن الوليد يومئذ شابا ، بل كان في عشر الخمسين فلعله كان فيه : فأقبل ابن الوليد بن عقبة فيتجه .
وروى عبد الرزاق حديث الباب عن داود بن قيس عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه فقال فيه " إذ جاء شاب " ولم يسمه أيضا . وعن معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وقال فيه " فذهب ذو قرابة لمروان " . ومن طريق أبي العلاء فيه عن أبي سعيد فقال فيه " مر رجل بين يديه من بني مروان " . nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي من وجه آخر " فمر ابن لمروان " وسماه عبد الرزاق من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى " داود بن مروان " ولفظه " أراد داود بن مروان أن يمر بين يدي أبي سعيد ومروان يومئذ أمير المدينة " فذكر الحديث وبذلك جزم nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي ومن تبعه في تسمية المبهم الذي في الصحيح بأنه داود بن مروان ، وفيه نظر ; لأن فيه أنه من بني أبي معيط وليس مروان من بنيه ، بل أبو معيط ابن عم والد مروان ; لأنه أبو معيط بن أبي عمرو بن أمية ، ووالد مروان هو nindex.php?page=showalam&ids=2114الحكم بن أبي العاص بن أمية ، وليست أم داود ولا أم مروان ولا أم الحكم من ولد أبي معيط ، فيحتمل أن يكون داود نسب إلى أبي معيط من جهة الرضاعة أو لكون جده لأمه nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان كان أخا nindex.php?page=showalam&ids=292للوليد بن عقبة بن أبي معيط لأمه فنسب داود إليه وفيه بعد ، والأقرب أن تكون الواقعة تعددت لأبي سعيد مع غير واحد .
ففي مصنف ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي سعيد في هذه القصة " فأراد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يمر بين يديه " الحديث ، وعبد الرحمن مخزومي ما له من أبي معيط نسبة والله أعلم .
[ ص: 695 ] قوله : ( فلم يجد مساغا ) بالغين المعجمة ، أي ممرا . وقوله " فنال من أبي سعيد " ، أي أصاب من عرضه بالشتم .
قوله : ( فقال مالك ولابن أخيك ؟ ) أطلق الأخوة باعتبار الإيمان ، وهذا يؤيد أن المار غير الوليد ; لأن أباه عقبة قتل كافرا واستدل الرافعي بهذه القصة على مشروعية الدفع ولو لم يكن هناك مسلك غيره ، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=12441لإمام الحرمين . ولابن الرفعة فيه بحث سنشير إليه في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى .
قوله : ( فليدفعه ) ، ولمسلم " فليدفع في نحره " قال القرطبي : أي بالإشارة ولطيف المنع .
وقوله : ( فليقاتله ) أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول . قال : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح ، لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها ا هـ . وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقة واستبعد nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي ذلك في " القبس " وقال : المراد بالمقاتلة المدافعة .
وأغرب nindex.php?page=showalam&ids=11927الباجي فقال : يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن أو التعنيف . وتعقب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل ، بخلاف الفعل اليسير . ويمكن أن يكون أراد أنه يلعنه داعيا لا مخاطبا ، لكن فعل الصحابي يخالفه ، وهو أدرى بالمراد .
وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي بلفظ " فإن أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه " وهو صريح في الدفع باليد . ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول ، وما تقدم عن ابن عمر يقتضي أن المقاتلة إنما تشرع إذا تعينت في دفعه ، وبنحوه صرح أصحابنا فقالوا : يرده بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشد ، ولو أدى إلى قتله . فلو قتل فلا شيء عليه ; لأن الشارع أباح له مقاتلته ، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها . ونقل عياض وغيره أن عندهم خلافا في وجوب الدية في هذه الحالة . ونقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ، ولا العمل الكثير في مدافعته ; لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور .
وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده ; لأن فيه إعادة للمرور ، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك ، ويمكن حمله على ما إذا رده فامتنع وتمادى ، لا حيث يقصر المصلي في الرد . وقال النووي : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع ، بل صرح أصحابنا بأنه مندوب . انتهى .
وقد صرح بوجوبه أهل الظاهر ، فكأن الشيخ لم يراجع كلامهم فيه أو لم يعتد بخلافهم .
قوله : ( فإنما هو شيطان ) أي فعله فعل الشيطان ; لأنه أبى إلا التشويش على المصلي . وإطلاق الشيطان على المارد من الإنس سائغ شائع وقد جاء في القرآن قوله تعالى شياطين الإنس والجن . وقال ابن بطال : في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين ، وأن الحكم للمعاني دون الأسماء ، لاستحالة أن يصير المار شيطانا بمجرد مروره . انتهى . وهو مبني على أن لفظ " الشيطان " يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي ، وفيه بحث .
ويحتمل أن يكون المعنى : فإنما الحامل له على ذلك الشيطان . وقد وقع في رواية للإسماعيلي " فإنما هو شيطان " ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ " فإن معه القرين " . واستنبط ابن أبي جمرة من قوله " فإنما هو شيطان " أن المراد بقوله " فليقاتله " المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال ، قال : لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها ، وإنما جاز الفعل اليسير في الصلاة للضرورة ، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار . قال : وهل المقاتلة لخلل يقع في [ ص: 696 ] صلاة المصلي من المرور ، أو لدفع الإثم عن المار ؟ الظاهر الثاني . انتهى . وقال غيره : بل الأول أظهر ; لأن إقبال المصلي على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره . وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود " أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته " وروى أبو نعيم عن عمر " لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس " . فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي ، ولا يختص بالمار ، وهما وإن كانا موقوفين لفظا فحكمهما حكم الرفع ; لأن مثلهما لا يقال بالرأي .