قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506689ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ، ويبقى لهم الثلث ، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم ) وفي الرواية الثانية : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506690ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم ) قال أهل اللغة : الإخفاق : أن يغزوا فلا يغنموا شيئا ، وكذلك كل طالب حاجة إذا لم تحصل فقد أخفق ، ومنه : أخفق الصائد ، إذا لم يقع له صيد . وأما معنى الحديث : فالصواب الذي لا يجوز غيره ، أن الغزاة إذا سلموا أو [ ص: 47 ] غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم ، أو سلم ولم يغنم ، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم ، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو ، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر ، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله : ( منا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها ) أي : يجتنيها ، فهذا الذي ذكرنا هو الصواب ، وهو ظاهر الحديث ، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا ، فتعين حمله على ما ذكرنا ، وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه بعد حكايته في تفسيره أقوالا فاسدة ؛ منها : قول : من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح ، ولا يجوز أن ينقص ثوابهم بالغنيمة ، كما لم ينقص ثواب أهل بدر وهم أفضل المجاهدين ، وهي أفضل غنيمة ، قال : وزعم بعض هؤلاء أن أبا هانئ حميد بن هانئ راوية مجهول ، ورجحوا الحديث السابق ، في أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة ، فرجحوه على هذا الحديث لشهرته وشهرة رجاله ، ولأنه في الصحيحين ، وهذا في مسلم خاصة ، وهذا القول باطل من أوجه : فإنه لا تعارض بينه وبين هذا الحديث المذكور ، فإن الذي في الحديث السابق رجوعه بما نال من أجر وغنيمة ، ولم يقل إن الغنيمة تنقص الأجر أم لا ولا قال : أجره كأجر من لم يغنم ، فهو مطلق ، وهذا مقيد ، فوجب حمله عليه .
وأما قولهم : أبو هانئ مجهول ؛ فغلط فاحش ، بل هو ثقة مشهور ، روى عنه الليث بن سعد وحيوة nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب وخلائق من الأئمة ، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به في صحيحه .
وأما قولهم : إنه ليس في الصحيحين ، فليس لازما في صحة الحديث كونه في الصحيحين ولا في أحدهما .
وأما قولهم : في غنيمة بدر ، فليس في غنيمة بدر نص أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم ، وقد غنموا فقط ، وكونهم مغفورا لهم ، مرضيا عنهم ، ومن أهل الجنة ، لا يلزم ألا تكون وراء هذا مرتبة أخرى هي أفضل منه ، مع أنه شديد الفضل عظيم القدر . ومن الأقوال الباطلة ما حكاه القاضي عن بعضهم أنه قال : لعل الذي تعجل ثلثي أجره إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها ، وهذا غلط فاحش ، إذ لو كانت على خلاف وجهها لم يكن ثلث الأجر ، وزعم بعضهم أن المراد أن التي أخفقت يكون لها أجر بالأسف على ما فاتها من الغنيمة ، فيضاعف ثوابها كما يضاعف لمن أصيب في ماله وأهله ، وهذا القول فاسد مباين لصريح الحديث ، وزعم بعضهم أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فنقص ثوابه ، وهذا أيضا ضعيف . والصواب ما قدمناه . والله أعلم .