أوقاته :
كان لا يضيع شيئا من زمانه بلا فائدة ، فإنه كان يصلي الفجر ، ويلقن القرآن ، وربما أقرأ شيئا من الحديث تلقينا ، ثم يقوم فيتوضأ ، ويصلي ثلاث مائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل الظهر ، وينام نومة ثم يصلي الظهر ، ويشتغل إما بالتسميع أو بالنسخ إلى المغرب ، فإن كان صائما أفطر ، وإلا صلى من المغرب إلى العشاء ، ويصلي العشاء ، وينام إلى نصف الليل أو بعده ، ثم قام كأن إنسانا يوقظه ، فيصلي لحظة ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب [ ص: 453 ] الفجر ، ربما توضأ سبع مرات أو ثمانيا في الليل ، وقال : ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة ، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر ، وهذا دأبه .
أخبرني خالي موفق الدين قال كان الحافظ عبد الغني جامعا للعلم والعمل ، وكان رفيقي في الصبا ، وفي طلب العلم ، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل ، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم ، ورزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة إلا أنه لم يعمر .
قال أخوه الشيخ العماد : ما رأيت أحدا أشد محافظة على وقته من أخي .
قال الضياء : وكان يستعمل السواك كثيرا حتى كأن أسنانه البرد .
سمعت محمود بن سلامة التاجر الحراني يقول : كان الحافظ عبد الغني نازلا عندي بأصبهان ، وما كان ينام من الليل إلا قليلا ، بل يصلي ويقرأ ويبكي .
وسمعت الحافظ يقول : أضافني رجل بأصبهان ، فلما تعشينا كان عنده رجل أكل معنا ، فلما قمنا إلى الصلاة لم يصل ، فقلت : ما له؟ قالوا : هذا رجل شمسي فضاق صدري ، وقلت للرجل : ما أضفتني إلا مع كافر ! ، قال : إنه كاتب ، ولنا عنده راحة ، ثم قمت بالليل أصلي وذاك [ ص: 454 ] يستمع ، فلما سمع القرآن تزفر ، ثم أسلم بعد أيام ، وقال : لما سمعتك تقرأ وقع الإسلام في قلبي .
وسمعت نصر بن رضوان المقرئ? يقول : ما رأيت أحدا على سيرة الحافظ ، كان مشتغلا طول زمانه .
التالي
السابق