( الشبهة الثالثة ) أن الدلائل على وجوب
فهم القرآن في الصلاة وتدبره فيها وفي خارجها صريحة ، والآيات الواردة فيها محكمة ، ولا يتم أداء هذا الواجب إلا بترجمة القرآن بلغات جميع الشعوب العجمية التي تدين بالإسلام . وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
والجواب عن هذه الشبهة من وجهين : ( أحدهما ) أن الفهم والتدبر وما يراد بهما من الخشوع والاعتبار إنما يتم بتعلم المسلمين للغة الكتاب الإلهي لا بتحويل الكتاب الإلهي إلى لغاتهم كلها ، كما فصله الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في رسالة الأصول ، وأقره جميع المسلمين لسبق
[ ص: 291 ] الإجماع وجريان العمل على ذلك في الصدر الأول ، ويؤكده أن
ترجمة القرآن ترجمة صحيحة تؤدي ما فيه من المعاني والتأثير كما أراد الله تعالى متعذرة ومستلزمة لتغيير كلام الله ، وهذا دليل وسند للإجماع على تحريمها فتعين أن يكون المسلمون تابعين لما أنزل الله تعالى دون أن يكون ما أنزله تعالى تابعا للغاتهم . ولا يعقل أن يؤثر المؤمن بالله وبكتابه ورسوله لغة قومه على لغة كتاب الله ورسوله ; ولهذا كان قدماء العجم من المسلمين يزاحمون العرب بالمناكب في تلقي العربية من أعراب البادية ، وفي جميع علومها وفنونها وآدابها كعلوم الشريعة نفسها ، وذلك أن إيمانهم كان برهانيا وجدانيا ، وما أحدث التنافس بين لغة الدين الذي عليه مدار سعادة الدارين ولغة الآباء من العجم إلا بعض زنادقة الفرس الأولين وملاحدة
الترك المتأخرين ، وأما قدماء مسلمي
الترك الذين أعرضوا عن العربية وفنونها فكانت آفتهم الجهل ، فالخوف من عودة السلطان والسيادة إلى العرب - وهذا هو الذي أعدهم لقبول دسائس الإفرنج بالدعوة إلى عصبية الجنس واللغة التي قوضت سلطنتهم ( إمبراطوريتهم ) العظمى بجهلهم .
( ثانيهما ) أن ما لا بد منه من التلاوة في الصلاة وهو الفاتحة وبعض الآيات أو السور القصيرة يمكن أن يفسر لكل مسلم بحفظه تفسيرا يتمكن به من فهم معناه ، والاعتبار به فهو لا يتوقف على ترجمته وتسميتها كلام الله كذبا على الله ، وخلافا لنص كتاب الله وإجماع المسلمين - فضلا عن ترجمة جميع القرآن كذلك .