وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون
لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز ، لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته ، وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه .
والتبشير : الإخبار بما يظهر أثره على البشرة ، وهي الجلدة الظاهرة ، من البشر والسرور .
قال
القرطبي : أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال : من بشرني من عبيدي فهو حر فبشره واحد من عبيده فأكثر ، فإن أولهم يكون حرا دون الثاني واختلفوا إذا قال : من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر ، فقال أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يعم لأن كل واحد منهم مخبر ، وقال علماؤنا : لا ، لأن المكلف إنما قصد خبرا يكون بشارة ، وذلك مختص بالأول انتهى .
والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعا ، وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول ، فالخلاف لفظي .
والمأمور بالتبشير قيل : هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل : هو كل أحد كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019367بشر المشائين وهذه الجمل وإن كانت مصدرة بالإنشاء فلا يقدح ذلك في عطفها على ما قبلها ، لأن المراد عطف جملة وصف ثواب المطيعين على جملة وصف عقاب العاصين من دون نظر إلى ما اشتمل عليه الوصفان من الأفراد المتخالفة خبرا وإنشاء .
وقيل : إن قوله : وبشر معطوف على قوله : فاتقوا النار [ البقرة : 24 ] ، وليس هذا بجيد .
و الصالحات الأعمال المستقيمة .
والمراد هنا : الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم ، وفيه رد على من يقول إن الإيمان بمجرده يكفي ، فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح .
والجنات : البساتين ، وإنما سميت جنات لأنها تجن ما فيها : أي تستره بشجرها ، وهو اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على
[ ص: 39 ] جنات كثيرة .
والأنهار جمع نهر ، وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ، والمراد : الماء الذي يجري فيها ، وأسند الجري إليها مجازا ، والجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى : واسأل القرية [ يوسف : 82 ] أي أهلها وكما قال الشاعر : ونبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس والضمير في قوله : من تحتها عائد إلى الجنات لاشتمالها على الأشجار : أي من تحت أشجارها .
وقوله : كلما رزقوا وصف آخر للجنات ، أو هو جملة مستأنفة كأن سائلا قال : كيف ثمارها .
و من ثمرة في معنى من أي ثمرة : أي نوع من أنواع الثمرات .
والمراد بقوله :
هذا الذي رزقنا من قبل أنه شبيهه ونظيره ، لا أنه هو ، لأن ذات الحاضر لا تكون عين ذات الغائب لاختلافهما ، وذلك أن اللون يشبه اللون وإن كان الحجم والطعم والرائحة والماوية متخالفة .
والضمير في به عائد إلى الرزق ، وقيل : المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابها فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره ، فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل ، فإذا أكلوا وجدوا له طعما غير طعم الأول .
و متشابها منصوب على الحال .
والمراد بتطهير الأزواج أنه لا يصيبهن ما يصيب النساء من قذر الحيض والنفاس وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا .
والخلود : البقاء الدائم الذي لا ينقطع ، وقد يستعمل مجازا فيما يطول ، والمراد هنا الأول .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا في صفة الجنة
nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والبيهقي وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019368ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة خضراء الحديث .
والأحاديث في
وصف الجنة كثيرة جدا ثابتة في الصحيحين وغيرهما .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وأبو حاتم وأبو الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والبيهقي في البعث وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نحوه موقوفا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
أبي مالك في قوله :
تجري من تحتها الأنهار قال : يعني المساكن تجري أسفلها أنهارها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله :
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قال : أتوا بالثمرة في الجنة فنظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا
وأتوا به متشابها في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد وقتادة نحوه .
وأخرج
مسدد في مسنده
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
عكرمة قال : قولهم : من قبل معناه : هذا مثل الذي كان بالأمس .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير نحوه .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
مجاهد قال : متشابها في اللون مختلفا في الطعم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
الحسن في قوله : متشابها قال : خيار كله يشبه بعضه بعضا لا رذل فيه ، ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة مثله .
وأخرج
الحاكم وصححه
وابن مردويه عن
أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله :
ولهم فيها أزواج مطهرة قال :
من الحيض والغائط والبزاق والنخامة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : من القذر والأذى .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن .
وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صفات أهل الجنة في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون .
وثبت أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من صفات نساء أهل الجنة ما لا يتسع المقام لبسطه ، فلينظر في دواوين الإسلام وغيرها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : وهم فيها خالدون أي خالدون أبدا ، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في قوله : وهم فيها خالدون يعني لا يموتون .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019370يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، ثم يقوم مؤذن بينهم ، يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت ، كل هو خالد فيما هو فيه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والحاكم وصححه من حديث
معاذ نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019371لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ، ولكن جعل لهم الأبد .